يقول الكتاب المقدس بأن الملك نبوخذنصر حلَمَ حلماً ودعى المُفسرين والعرافين لتفسيره ولم يستطِع أي واحدٍ منهُم اعطاء التفسير الصحيح لهُ ، وفي النهاية طلب النبي دانيال لتفسير الحلم. "راجع سفر دانيال الأصحاح الرابع." أتحدث عن القصة والرموز والدروس كما يلي:
باختصار كان الحلم الذي رآه الملك وهو نائم في الفراش يرمز الى وجود شجرة كبيرة وعالية جداً وأغصانها مورقة وأثمارها لا تُعد من كثرتها والبشر يأكلون منها والحيوانات البرية والوحوش تلجأ الى ظلالها وتحتها ، والطيور تبني اعشاشها وتقيم على أغصانها . فجأة جاء ملاكاً نازلاً من السماء وصرخ بصوت ٍ قويٍ " أقطعوا الشجرة وقصّوا أغصانها ، انثروا أوراقها وبدّدوا ثمارها لتهرب منها الطيور والوحوش " ، وقد أمر هذا الملاك بأن يتركوا اصل الجذور في الأرض . بعد ذلك أمر الملاك بربط الملك بالحديد والنحاس وتركهِ في البرية وسط العشب وبين الوحوش وأن يُعطى له قلب وحش الى أن تمر عليه سبع سنين .
تم تفسير الحلم من قبل النبي دانيال كما يلي:
1- الشجرة المرتفعة والعالية جداً ترمز الى الملك نبوخذنصر وقوتهِ وعظمتهِ وسيطرتهِ على أماكن كثيرة من الأرض والبلدان واحتلالها وغزوها وجعلها ضمن امبراطوريتهِ. وكانت هذه الشجرة ملاذاً لعيش الكثيرين من البشر ومأوى الطيور والحيوانات .
2- قطع الشجرة من قبل الملاك يعني الحُكم الصادر من الله على الملك بأن نهايته قد جاءت وأقترب نبوخذنصر من نهاية السلطة والنفوذ التي كان يتمتع بها في العالم .
3- ليعلم الملك بان المملكة يتحكّم بها الله وليس الأنسان ، ويستطيع اعطائها الى أي شخص عداهُ وهو الذي يُقرّر كل شئ ومملكة نبوخذنصر الأرضية التسلطية القاتلة فانية لا محال .
4- سوف يُطرد الملك الى البرية عقاباً وقصاصاً لهُ ، يأكل العشب مثل البهائم وكما يقول كالثيران ، ويبقى هناك سبع سنوات منفياً هائماً مجنوناً بمخالبهِ وشعرهِ الكثيف وبقلبه الجديد الذي اكتسبه من الحلم وهو قلب وحش وليس قلب انسان .
5- تركْ اصل الشجرة وعدم المساس بهِ يرمز الى ان الملك بعد أن يصل الى الأيمان بان الله هو رب السماوات والأرض سيبقى له المُلك والسلطة الى حين .
6- وأخيراً نصح دانيال الملك بتقديم الصدقات وعمل الخير والرأفة بالبشر وأن يترحّم على المساكين والفقراء ونصحه بالتواضع لكي يصفح الله عن خطاياه وينال رحمتهُ .
بعد سنة واحدة من الحلم وعندما كان نبوخذنصر يتمشى على شرفة القصر ، جاء الصوت الهادر من السماء " لك يا نبوخذنصر الملك أقول : زال عنكَ المُلكْ " .
لقد بدأت الحياة الجديدة للملك المطرود من بين الناس ولجأ الى المكان الآخر البرية حيث يقول الكتاب المقدس " أكل العشب كالثيران ، تبلّل جسمُهُ من ندى السماءِ ، حتى طال شعرهُ كريش النسورِ وأظفاره كمخالِبِ الطيورِ ." هكذا بدأ التغيير الحاسم والتبديل السريع في الملكية والملك.
بعد أن انتهت السنوات السبع عاد العقل والحكمة الى الملك وسبّحَ الله ومجّده واعترف بقرارة نفسهِ بان الله قادر على اذلال المتكبرين والمتسلّطين وكل من يمشي في طريق الكبرياء والعنجهية والشر مهما كانت جبروتهم وقوّتهم وعناوينهم .
الدروس لنا من الحلم والقصة :
1- كان الملك قد أمر بصنع تمثالاً من الذهب في بابل ، وجمع المسؤولين والعلماء والموظفين وابناء الشعوب المتواجدين هناك لتدشين التمثال وأمرهم بالسجود لهُ عندما يسمعون صوت البوق والناي والرباب وكل من لا يقع ساجداً للصنم يُرمى في أتونِ نارٍ مُتّقّدة . وكما اراد الملك سجد الجميع عند سماعهم الصوت . كان من بين الناس ثلاثة من اليهود الشباب شدرَخْ وميشَخْ وعبدنَغو لم يسجدوا للتمثال وكان الملك قد جعلهم مسؤولين في بابل . اشتكى على هؤلاء بعض السكان عند الملك ، عندها غضب وأمر بجلبهم اليه وبعد ان حضروا ، امرهم مرة اخرى للسجود بعد سماع صوت البوق وإلا ستكون العقوبة قاسية وفعلاً لم يسجد الشبان الثلاثة للتمثال وبعدها امر الملك بأن يُحمى الأتون سبعة أضعاف ويُلقى فيه الشبان والقصة معروفة كيف خلّصهم الله. لقد حلِمَ الملك بعد هذه الحادثة ليرى الفرق بين ماكان يُخطط له وبين المصائب التي تأتي اليه نتيجة اعماله وعدم ايمانه وتفكيره المتعالي على البشر .
الدرس لنا : أن لا نُفكّر بالتكبّر والتعالي والقدرات العددية والكلامية لأن ذلك سيقودنا حتماً الى الفشل والضياع والتجزئة والأضمحلال والمصائب المختلفة من حيث لاندري بالرغم من الخطط والحِيَل التي نتقنها حتى لو كانت بفنون كما حدث الى نبوخذنصر. لقد اعطى الملك اوامر قاسية ضد الشبان الأبرياء لعدم اطاعتهم لهُ ، أي ان ما كان يَهمّه هو تنفيذ الأوامر التي أصدرها الملك وعدم العصيان عليه والسبب هو التمسك بالسلطة والقوة بعيدا عن السجود للصنم او غيره . لقد تحدى الملك الشُبان وإلهَهُم وفي نفس الوقت هؤلاء تحدوا الملك بإلهَهُم وعرفوا بأنه سوف يُخلّصهم من الموت المُحقق ، وقد خَلصوا فعلاً . هل نحن نُفكّر بالخلاص بقوّة الله أم بقوتنا ؟ الجواب لكم .
2- عندما نعود الى القصة نرى ان الملك استدعى المُنجمين والسحرة والكلدانيين والمجوس لتفسير الحلم ولم يستطيعوا ذلك ، وبعدها طلب من دانيال التفسير. علماً بان الملك أقرّ باّن دانيال النبي فيه روح الآلهة القدوسين .
الدرس لنا : كان يعرف الملك جيدا ان دانيال هو نبي وإلههُ هو الأقوى والصحيح والحق ، وفيه روح هذا الإله القدوس ولكن لم يطلبه اولاً لأنه ما كان مؤمناً بهِ أبداً . هكذا نحن نرى ونعلم جيداً أن الكتاب المقدس عندنا وكلمة الحياة والطريق والحق امامنا ولا نطلُبها ، بل العكس نطلب الأرضيات والمال والسلطة ونتغاضى النظر عن طلب طُرق الرب ، فكيف نُريد أن يُساعدنا ويُنجّح خُططنا ؟ عمانوئيل معنا وبيننا ولكننا نبتعد عنه ولا نلجأ اليه وأحياناً ننكرهُ ، نذهب وراء التفسيرات الخاطئة والتأويلات الملتوية لأثبات نظرياتنا الغير صحيحة ، نُحاول أن نبني الخطأ على الخطأ وبواسطة الخطأ لتتراكم الأخطاء . حقاً انها المأساة التي تُمزّقنا من حيث لا ندري.
3- لقد أصبح الملك بعيدا عن المجتمع الأنساني وتحوّل الى شخصية غريبة ، قلبه بائساً مثل المجنون ، متمثلاً بالحيوان في تصرفاته واعمالهِ وعاش في البرية و الغابة بين الوحوش والحيوانات المتنوعة يأكل مثلهم ويتصرف بطبائعهم !!.
الدرس لنا: عندما نبتعد عن التعاليم السماوية ونتوعّد هذا وذاك ونتكلم بما لا يريده الخالق الذي خلقنا على صورته ومثاله سوف نصل الى المراحل التي ينزل بها الصوت من السماء عبر ملاكٍ خاص ليقول لنا انتم أيها البشر انتهى دوركم وسوف لا تقوم لكم قيامة بعد اليوم وكل ما بنيتموه حتى لو صعدت ابراجه الى السماء فانه سَيُقطع ويتهدم ويتفتت ويصبح في خبر كان . الله لا يريد من الحاكم ان يكون دكتاتوري وسُلطوي ومتعجرف ، بل يريده كخادم للجميع ومُساعد للكُل . جاءت المصائب على نبوخذنصر لأستخدامه السلطة بصورة فوضوية تسلطية ومصلحية وعندما كبُرت شجرته تمرد على المجتمع وأساء لكل المقدسات وأستهزأ بإله الشبان الثلاثة ، وهنا جاء تدخّل الله سريعاً لقلع شجرتهِ من بين الناس ليتحول الى حيوانٍ في الغابة . التأديب واضح لكل من لا يتعظ بهذه الأمثال والقصص الرمزية الرائعة.
4- يقول احد المُفسرين للكتاب المقدس بان الله لم يسحب الأمبراطورية من نبوخذنصر فقط وإنما سحب شخصيته البشرية الأنسانية أيضاً وجعله بشكل حيوان لأنه لا يستحق ان يعيش مثل البشر وذلك نتيجةً لأعماله في القتل والتسلط والسيطرة بالقوة على الآخرين وتدمير بلدانهم. وهذا هو درساً رمزياً آخر لنا حتى ننتبه ولا نتعالى على الآخرين لا بالأعمال ولا بالكلام لأن الله قادر على تحويل كل من لا يفهم المغزى الى تراب ورماد والى لاشئ فجأةً .
5- المثل يقول من ارتفع وقع ومن أتضع أرتفع ، هكذا كانت الحال عند الملك حيث بدأ يتكبر ويستعمر ويبني لنفسِهِ وزوجتهِ القصور والجنائن وعندما كان يتمشى فوق القصر ذات مرة جاء الصوت الصارخ لأزالتهِ ووضعه في اسفل كل الأبنية وليس القصور فقط ، ذلك الصوت الذي اخبره بانه سيبقى مثل الحيوان يأكل الحشيش والتبن والأوراق الساقطة والذابلة ، أين كان نبوخذنصر وأين أصبح ؟!! الله القدير العظيم حَولّهُ الى لا شئ . بسبب اعماله وتصرفاته اللاإخلاقية ، جاءت له كل الكوارث لتُنهي مملكتهُ وامبراطوريته التي كان يغزو بها الدنيا ويتباهى بعظمتها واتساعها وجبروتها .
درسنا هنا ، هو ان العصيان الى اوامر الله يقودنا الى الهاوية وقد نصبح مثل نبوخذنصر نأخذ اجساد الحيوانات ولا نشبع حتى من العشب وقد لا يطيح في ايدينا الحشيش والماء ، تفكيرنا في المال والكراسي والتسلّط قد انتهى زمانه وولّى ولم يرجع ، علينا التفكير الآن بما يخدم شعبنا المسكين المتألم الواحد بغض النظر عن الأسم الأمبراطوري والتعالي والصعود الى القصور المُعلّقة . حتى لو تحقق لنا فجأة كل ما نحلم بهِ مثل ما تحقق الى نبوخذنصر فان سقوطه سيكون مُدوياً وقاسياً ولا نستطيع ان نتحملّه ابداً وعندها لا نلوم إلا أنفسنا. الأمثلة كثيرة أين أصبح هتلر ونابليون وعبد الناصر وغيرهم؟ هل نرتفع ونتعالى أم نعمل بتواضع ورأفة ومحبة القريب؟
6- يقول احد المُفسرين بان الملك اصبح مجنوناً وفي النهاية أستدرك قوة الله الحقيقية وتاب عن كل ماعمله وأعترف بوجود الله الحقيقي وهكذا نحن قد يأتينا التأديب ونعود لنصحى ، واحياناً لا نصحى ونبقى مُتمسكين بكل الخُطط الفاشلة التي تقودنا الى الجحيم وأحياناً يُصاحبنا العناد والتكبر وعدم الأعتراف بالحقائق والوقائع ونبقى في الوهم والأوهام ولا نتغير بالرغم من اننا نرى بوضوح اعمال الله فينا ونبقى اسيري الفكر الجامد الذي يعود الى العصور الحجرية والعجيب من ذلك لا نتغير ولا نتبدل بل نبقى نسير نحو الأتعس وبعنجهية أكبر .
الدرس لنا ، هو أن نُفكّر بالتغيير في دواخلنا ولا نلجأ الى التبريرات ، لأن الصورة واضحة امامنا وقد حَكَمَ شعبنا وحُكمهُ تنبيه واضح لنا للتغيير وليس للتمسك بالتقاليد العمياء وكل من يرغب النظر الى الماضي السحيق سوف يجني الثمار مثل ما جنى نبوخذنصر . من حق أي انسان أن يسأل : هل من المعقول أن يأتي رجل دين ويتكلم عن مُنجزات الملك الذي أكل العشب وأصبح مثل الحيوان لنقتدي بهِ ؟ هل من الطبيعي أن يأتي مسؤول علماني ويعطينا التبريرات للسير في طريق ذالك الملك الذي استحق اكبر عقوبة إلهية في التاريخ بعد ان كان رأسه يصل الى السماء ؟ هل من الأنصاف ان نقتدي بالملك الذي أمر برمي الشبان المؤمنين في أتون نارٍ إرضاءً لفكرهِ وأصنامهِ ؟ حتى النبي دانيال تم القائه في جُب الأسود ولم يخلص إلا بقوة الله الحي ، الى متى نصحى ونلتزم بالرب الإله الحقيقي الذي هو الطريق والحق والحياة ؟ لنقول نحن سورايي ، نختار اسمنا الذي جاء بهِ رُسلنا الأطهار عند نشر الأيمان . الذي يهمّهُ الأيمان سيعرف كيف يتصرف ويختار والذي تكون عيونهُ مُغطاة سيبقى الى الأبد يأكل العشب مثل ما أكل نبوخذنصر والله الساتر الرحيم ، قد تكون سبعة أو مضاعفات السبعة من السنوات العجاف المملوءة آهات وويلات. لا نتمنى أن يصل أي واحد من ابناء شعبنا الى الحالة التي حدثت الى الملك البابلي التاريخي نبوخذنصر ،
صلوا لاجلى