هبت عاصفة ثلجية عنيفة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية و تجمدت مياه الأنهار و أُعلنت حالة طوارىء فى جميع المطارات... و كانت إحدى الطائرات تقلع من المطار الدولى بمدينة واشنطن و مع انه تم رش أجنحتها بمادة خاصة لإذابة الثلوج التى تراكمت عليها إلا أنه بمجرد إقلاعها لم تستطع الصعود و سقطت في النهر المتجمد الملاصق للمطار و انشطرت إلى نصفين و غاصت فى الأعماق بكل ركابها ما عدا خمسة أشخاص وجدوا أنفسهم وسط الماء المتجمد فأمسكوا ببعض الحطام المتبقى من الطائرة و هم فى حالة رعب و خوف ليس من هول الصدمة فقط بل لأنهم عرفوا أن أجسامهم ستتجمد خلال دقائق!
و تعالوا لنعرف بقية القصة من أحد الناجين ,الذين تم انتشالهم فى اللحظات الأخيرة ... كان يتكلم أمام عدسات التلفزيون و هو يبكى ...
لقد احسست إنها النهاية ...! لم يكن هناك أمل... كانت أطرافى تتجمد بسرعة... تملكنى يأس شديد... و فجأة سمعت صوتاً خلفى هادئاً واثقاً ! فنظرت إليه ووجدته أحد الناجين معنا... قال لنا بهدوء ... قد نتجمد الآن قبل أن تأتى النجدة فهل تعرفون إلى أين ستذهبون ..؟؟ و فوجئنا بهذا السؤال الذى لم يكن أحد منا يفكر فيه...و لكن عندما نظرنا إلى حالتنا وواجهنا حقيقة موقفنا...استسلمنا ! و لم نستطع الرد عليه...لأننا لم نكن نملك إجابة واضحة...إجابة حاسمة...!!
و حاول الرجل أن يتكلم معنا و لكننا لم نتجاوب معه...
و إبتدأنا نفقد الوعى...
و فجأة جاءت طائرة مروحية...و أنزلت حبل به طوق نجاه و فوجئت بالرجل الغريب...العجيب...يأخذ طوق النجاه الذي سقط بجانبه و يعطيه لأحدنا ! و جذب مساعد الطيار الحبل بسرعة ثم قذفه مرة أخرى و تكرر نفس المشهد اخذ الرجل الطوق و أعطاه لآخر !!
و لم يتبق أحد إلا أنا و هذا الرجل ... و كانت قوانا قد خارت تماماً
و بدأت أجسامنا تتجمد ... و جاء الطوق من فوق ... ووجدت الرجل يعطيه لى ! و لم أمانع ... فقد كنت أتشبث بالحياة ... و ابتدأ مساعدالطيار يرفعنى فنظرت إلى الرجل و سألته ... لماذا؟ لماذا تفعل هذا؟
فأجبنى بكلمات ... هزتنى ... رجتنى ... حيرتنى ... كلمات لن أنساها
مدى عمرى ... قال لي بهدوء و ثقة:
" لأني أعرف إلى أين أذهب ... أعرف أن أحضانه فى إنتظارى! "
و فى وسط إعيائى و حيرتى و الطوق يرتفع بي فى الهواء صرخت و سألته ... لماذا أنت متأكد وواثق هكذا ؟ فأجبنى بكلمه ... كلمه واحدة ... كلمه قلبت حياتى ... كلمه غيرت حالى ... كلمه زعزعت كلمه لم أسمعها من قبل ... لم أعرفها من قبل ... هتف بها من أعماق قلبه قائلا :
لأنه أبي !!
و عندما نزل الطوق مرة أخرى ... رجع فارغاً !!
لأن الرجل لم يكن هناك ... كان جسده متجمداً هناك ... و لكن
روحه لم تكن هناك ... كانت فى مكان آخر ... كانت فى حضن أباه !!
و فى اليوم التالى و أثناء مراسم دفن جسده وقفنا نحن الأربعة
الذين كنا معه فى الماء ... كنا مثله مسيحيين... نذهب الى كنائسنا ...
نحترم فرائضنا ... نمارس طقوسنا ... نصوم أصوامنا ... كانت
مسيحيتنا جزء من روتين حياتنا !!!!
كان مسيحنا الذي نحمل إسمه يجرى طول الوقت وراءنا !
يلهث خلفنا ... يعيش على هامش حياتنا ... خارج قلوبنا !!
و لكن مسيحه كان يعيش ... بداخله!!
آه ... لم نكن مثله... كان مختلفاً عنا ... كنا نعرف مسيحاً بالجسد
أما هو فكان يعرف مسيحاً بالروح !!
و من خلال دموعنا طلبنا من الذى حملنا إسمه طول عمرنا نتيجة
ولادتنا من عائلات مسيحية بدون إرادتنا ! و ظننا إننا على هذا الأساس سندخل السماء ... بالوراثة !!
طلبنا من الذى ذهب إلى الصليب من أجلنا ... و أعطانا دمه ليطهر
قلوبنا... و لكن فى زحمة حياتنا ... و إهتمامنا بأجسادنا و أعمالنا و
أمولنا ... و روتين عباداتنا ... نسيناه !!!
آه نسينا أنه مكتوب أن ليس بأحد غيره الخلاص (أعمال 4 )
آه نسينا أنه مكتوب ليس أحد يأتى إلى الآب إلا بى (يوحنا 14)
آه نسينا أنه مكتوب أن كثيرون يدعون و قليلين ينتخبون( متى22)
و أمام القبر سمعنا الصوت و فتحنا أبوابنا ... فتحنا قلوبنا ... و طلبنا منه أن يدخل ! طلبنا منه بكلمات بسيطة ... ضعيفة ... لم نكن نملك غيرها ... لم نعرف أن نقول غيرها ... و لكن عنده كانت تكفي و تزيد!!
لأنه لم يكن يريد غيرها ... فهو يريدك كما أنت لأنه يعرف
قلبك و ما في داخلك و عرفنا معنى ما هو مكتوب ..."
وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه
الذين ولدوا ليس من دم و لا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل...
من الله "(يوحنا12:1-13)
آه ما اروع أن نكون أولاده و نناديه قائلين ... يا أبي !!
ستعرف معنى الفرح الذى لا يستطيع أحد أن ينزعه منك
و سنختبر معنى السلام الذى لا يستطيع أحد أن يأخذه منك
و سيذهب القلق ... و لن يكون هناك مكان للخوف أو المرض ...
لأن الذى سيكون بروحه في داخلك لن يسمح للعالم أن يمس شعره
من رأسك (لوقا 21)
و لن يستطيع أحد أن يؤذيك لأن من يمسكم يمس حدقة عيني (زكريا 2)
و ستعرف إلى أين ستذهب و ستعرف الطريق لأن يسوع هو الطريق و الحياة و من آمن بى و لو مات فسيحيا (يوحنا 14؛11)
فتعال الآن لأحضانه ... إنها فى إنتظارك
و لا تؤجل .... لأن طوق النجاه قد يرجع فارغاً فى وقت ما بدونك