الأنبا موسي أسقف الشباب
إن جوهر الإيمان المسيحي هو سر التجسد!! بمعني أن ظهور الله في شكل إنسان، لتحقيق أهداف غاية في الأهمية هو محور الإيمان المسيحي الحقيقي، وهنا نورد أسئلة كثيرة:
هل هناك إمكانية للتجسد الإلهي؟
لا شك أن الله يستطيع أن يتجسد في أية صورة، فقد امتلأ العهد القديم بظهورات حسية كثيرة لإلهنا العظيم فقد ظهر لإبراهيم في صورة إنسان ومعه ملاكان في صورة رجلان، و ظهر ليعقوب في صورة إنسان صارعه حتى طلوع الفجر، و ظهر لموسي في صورة نار في العليقة. وكانت هذه الظهورات تمهيداً للتجسد الإلهي.
هل يتعارض التجسد مع كرامة و قداسة الله ؟
بالطبع لا.. لأن الإنسان هو أحدي مخلوقات الله، بل هو تاج هذه الخليقة وكاهنها، ومخلوق علي صورة الله ومثاله... فأي غضاضة في أن يأخذ الله شكل إنسان، والإنسان هو أكرم مخلوقات الله؟
والتجسد لا يتعارض مع قداسة الله، لأن الشمس قد تطهر كوماً من القمامة دون أن تتلوث، وهكذا الله حينما تجسد طهر طبيعتنا الساقطة دون أن تنقص قداسته، فهي قداسة لا نهائية و مطلقة.
و لكن لماذا التجسد؟
لأن الله كمعلم حكيم رأيا أن ينزل إلينا، ليعلمنا طريق الحياة الأبدية. فهذا ممكن طبعا، أما أن نصعد نحن إليه فهذا كان مستحيلاً، ولأنه أراد أن يفدينا فأخذ ناسوتاً مثلنا، لكن بلا خطية، لينفذ فيه حكم الموت، لكي يسكن في داخلنا فالله يحب أن يتحد بنا، في تواضع وتنازل المحب لكي يحمينا من عدو الخير، ومن الدينونة الإلهية.
كيف تم التجسد؟
بأن أخذ اللاهوت الذي حل في أحشاء العذراء ناسوتاً من دمها، لكن بلا خطية فصار إنساناً مثلنا فيه روح إنسانية، و جسد إنساني ونفس إنسانية، لكن بلا خطية.
ولا شك أن الفادي الوحيد هو الرب يسوع له المجد، والسبب في ذلك بسيط للغاية، أن الرب يسوع هو الوحيد في الكون في السماء وعلي الأرض، وهو الذي أستطاع أن يفي بالمواصفات المطلوبة في الفادي.
لقد كانت هناك مشكلتان للبشرية، وهما حكم الموت: "لأن أجرة الخطية هي موت" (رو 6: 23)، فساد الطبيعة البشرية: بسبب الخطية التي أرتكبها أبوانا الأولون والتي ورثناها، وهنا تثور بعض الأسئلة؟
لماذا لم يسامح الله آدم؟
لأن هذا يتعارض مع عدل الله و قوله لآدم: "يوم تأكل منها – من شجرة معرفة الخير و الشر- موتا تموت" (تك 2: 17)، وكذلك لأن مسامحة آدم لا تحل سوي نصف المشكلة (عقوبة الموت)، إذ ستبقي طبيعته فاسدة، تنتج شرورا وتحكم عليه بالموت مرات و مرات.
إذن لماذا لم يترك الله آدم لحكم الموت؟
لأن هذا يتعارض مع محبة الله ورحمته، وبخاصة لأن آدم أغواه الشيطان حتى لو كان قد أكل بإرادته، وكذلك لأن إماتة آدم تتعارض مع كرامة الله، إذا كيف يسمح بأن ينتصر الشيطان علي آدم فيخطئ ثم يموت. ما الحكمة!! إذاً لماذا خلقه؟ و لو خلق الله آدم آخر، فهو معرض لنفس المصير بسبب حرية الإرادة، فهل من كرامة الله أن يستمر هذا المسلسل: الله يخلق والشيطان يغوي الإنسان يسقط ويموت، ثم الله يخلق إنساناً آخر يكون له نفس المصير؟!
الحل إذن أن يفتدي الله الإنسان:
بمعني أن يموت شخص آخر بدلاً من آدم، فيوفي العقوبة والمهم أن يجدد هذا الفادي الطبيعة البشرية، ويطهرها من الفساد، ليحيا في البر، وليس في السقوط.
و لكن ما هي المواصفات المطلوبة في الفادي ؟
أن يكون إنسانا لأن الإنسان هو الذي أخطاْ، أن يموت لان أجرة الخطية هي موت، أن يكون بلا خطية فلو كان خاطئاً لكان بحاجة إلي من يفديه، أن يكون غير محدود لأن خطية آدم موجهه إلي الله الغير محدود وعقوبتها غير محدودة، أن يكون خالقاً ليستطيع تجديد الطبيعة البشرية مرة أخري.
و لن يكون هذا سوي الله المتجسد الرب يسوع الذي بناسوته أوفي المطلبين الأوليين، و بلاهوته أوفي المطاليب الباقية ويستحيل أن نجد بديلا آخر غيره في كل الكون في السماء وعلي الأرض.
منقووول