سر مسحة المرضى
+++++++++++++
نتحدث عن سرِّ مسحة المرضى، الذي به يُستدعى الروح القدس من أجل شفاء ضعفاتنا الجسدية والروحية. ويُجرَى طقس هذا السر بواسطة القسوس (وليس ما يمنع طبعاً أن يُجريه الأساقفة) الذين يرشمون أجزاء متفرقة من جسد الإنسان بزيت مقدَّس يُصلَّى عليه بطقسٍ خاص يُجرَى عادةً يوم جمعة ختام الصوم الأربعيني المقدَّس.
وبينما يُدهن جسد المريض بالزيت المقدس (الجبهة، والمعصمين، وأعلى الصدر أو أسفل الرقبة)، فإن نعمة الله التي تشفي ضعفات النفس والجسد تحل على الشخص المريض. ويمكن أن يُجريه قس واحد أو أكثر من قس، وعلى الأخص أن طقس هذا السر يحوي مجموعة سبع صلوات تُصلَّى على قنديل به زيت يحوي سبع فتائل، توقد كل واحدة في بداية كل صلاة.
الأساس الإلهي لهذا السر
++++++++++++++++
منذ أزمنة العهد القديم والزيت يرمز إلى النعمة والفرح وتخفيف الألم وتجديد الحياة. أما في العهد الجديد فدَهْن المرضى بالزيت كان يُجريه الرسل كما نقرأ في إنجيل القديس مرقس (6: 13) أنهم «دهنوا بزيت مرضى كثيرين فشفوهم». وأوضح شهادة لسرِّ مسحة المرضى نجدها في رسالة يعقوب الرسول (5: 15،14): «أمريضٌ أحد بينكم؟ فلْيَدْعُ شيوخ (بريزفيتيروس(1) - أو قسوس) الكنيسة فيصلُّوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب، وصلاة الإيمان تشفي (وبالترجمة الحرفية: تُخلِّص) المريض، والرب يُقيمه، وإن كان قد فعل خطية تُغفَر له».
والرسول يعقوب لا يتكلَّم عن ”موهبة“ الشفاء الخاصة لأشخاص معيَّنين، كإحدى مواهب الروح القدس للبعض، لكنه يتكلَّم عن فعل مقدَّس بطقس محدد، صار تقليداً في الكنيسة ويُجريه قسوس الكنيسة بالصلوات وبدهن المريض بالزيت، ثم يقترن كل هذا بنتائج السر: الشفاء من المرض الجسدي، ومغفرة الخطية (الشفاء من مرض النفس والروح).
ولا يمكننا أن نفهم من كلمات الرسول يعقوب عن الدهن بالزيت، أنه هو وسيلة الشفاء المعتادة في المجتمع في ذلك العصر، لأن الزيت بكل منافعه ليس وسيلة لشفاء كل الأمراض.
والرسل لم يُقدِّموا شيئاً للكنيسة من ذوات أنفسهم، بل بما علَّمه الرب يسوع المسيح وأوصاهم به، وما ألهمهم إليه الروح القدس. لذلك فقد كانوا يُسمون أنفسهم، لا ”مؤسِّسي“ الأسرار الإلهية، بل فقط «”وكلاء“ سرائر الله» و”خدَّام المسيح“ (1كو 4: 1). لذلك، فمسحة المرضى أيضاً التي أوصى بها الرسول يعقوب هي تأسيسٌ إلهي من المسيح.
وفي كتابات آباء الكنيسة الأوائل، نجد شهادات غير مباشرة عن سرِّ مسحة المرضى في كتابات القديس إيرينيئوس أسقف ليون بفرنسا؛ والعلاَّمة أوريجانس؛ ثم في كتابات القديس باسيليوس الكبير، والقديس يوحنا ذهبي الفم الذي ترك لنا صلوات لشفاء المرضى؛ وكذلك في كتابات القديس كيرلس الكبير.
ممارسة السر
+++++++++++
سر مسحة المرضى يُمارَس للمرضى القادرين على تلقِّي هذا السر بوعيهم والمشاركين في الصلوات بأنفسهم، كذلك يمكن ممارسته للأطفال.
أما مكان إتمام السر فإما يكون في الكنيسة أو في الموضع حيث يسكن المريض. وعادةً ما يسبق إجراء السر اعتراف المريض أو أهله بخطاياهم، ويكتمل بتناول سرِّ الإفخارستيا.
الجانب الطقسي المنظور من السرِّ
+++++++++++++++++++++++
وطقس مسحة المرضى يتضمن سبع صلوات أمام قنديل به زيت وسبع فتائل، تشعل كل فتيلة ومعها تُجرى الصلوات حسب كتاب صلوات الخدمات الليتورجية. وتتكون كل مجموعة من المجموعات السبع للصلوات من: الصلوات الافتتاحية المعتادة، ثم إحدى الأواشي السبع وأُولاها أوشية المرضى، ثم طِلْبة تتضمن مقاطع طِلْبات من أجل أن يمدَّ الله يده بالشفاء وتنتهي بمرد ”يا رب ارحم“، ثم يقول الكاهن ذكصولوجية (في الصلاة الأولى فقط)، ثم يُقدِّم الكاهن طِلْبات قصيرة بينما هو يرشم الزيت بالصليب، وفي نهاية كل طلبة يرد الشعب: ”يا رب ارحم“، ثم يصلِّي صلاة على الزيت، ثم قراءات من البولس والكاثوليكون، وأوشية الإنجيل، وقراءة مناسبة من الإنجيل، وطِلْبة أخيرة.
وهكذا في كل مرة تُشعَل فتيلة من الفتائل السبع. وفي نهاية الصلوات السبع يدهن الكاهنُ المريضَ بالزيت وهو يتشفع بالقديسة العذراء مريم وبالقديسين. ثم تُتلى تسبحة الملائكة، والصلاة الربانية، وقانون الإيمان، و”يا رب ارحم“ 41 مرة، ويقول الكاهن التحاليل الثلاثة، ثم بركة الانصراف، ثم يرشم الحاضرين بالزيت المقدس، أما المريض فيُدهن بالزيت لمدة سبعة أيام.
ومما يجب أن نضعه في أذهاننا أن المريض الذي يُعاني من ضعف الجسد والنفس، لا يكون دائماً قادراً على تقديم اعتراف مناسب بخطاياه.
كما أن استنارة ضمير ووعي الذي يتلقَّى صلوات سرِّ المسحة، يُهيئ المريض لتقبُّل النعمة المانحة للشفاء من أسقامه الجسدية بصلاة الإيمان.
ومن المعتاد إقامة صلوات هذا السر في أيام الصوم الأربعيني المقدس داخل البيوت، وتُسمَّى لدى العامة ”صلاة القنديل“، وهي نافعة للعائلات المسيحية، على أن تكون فرصة للتوبة والاعتراف بالخطايا لله على يد الكاهن، للانتفاع من نعمة مغفرة الخطايا المُصاحبة لنعمة الشفاء الجسدي
منقول