مشروع يعقوب
كم من مرة تعرضت للفشل في مشوار حياتك الروحية؟ أسمع
صوتك يا أخي تقول: آه، الكثير والكثير جداً، وأسمع آخر يقول: لاتسأل كم من
مرة فشلت، لكن إسأل كم من مرة نجحت لأن الإجابة ستكون سهلة، لقد نجحت مرة
أو مرتان علي أقصي تقدير. إن الفشل في الحياة الروحية شيئ منتشر جداً
ومتكرر جداً. بل إن الكثير من الناس يتوقف في مسيرته الروحية وفي علاقته
بالرب يسوع المسيح نتيجة الفشل المتكرر. بل وحتي عندما يبدأ من جديد، ويأخذ
خطوات جديه في هذا الإتجاه تكون بداخله في نفس الوقت قناعة أنه سيفشل
حتماً. ولكن هل هذا هو قصد الله من حياتنا، الفشل المتكرر؟ بالطبع لا، وألف
لا. دعونا نري سوياً إحدي مشاريع الله الناجحة، ونري كيف عمل في حياة أحد
مؤمنيه لعلنا نفهم مالذي يحدث معنا.
كان الرب لديه مشروعاً هاماً. نقرأ
عن هذا المشروع في سفر التكوين. هذا المشروع هو "مشروع يعقوب". قرر الرب أن
يبارك يعقوب. بارك من قبله إبراهيم، حيث نري فيه قمة الإيمان رغم السقطات
الواضحة له سواء في نزوله لمصر دون أن يسأل الله، وخوفه علي حياته مما دعاه
لان يقول عن سارة إمرأته أنها أخته مرتان. ولكن يظل إبراهيم علامة من
علامات الإيمان.
وبارك من قبله إسحق، حيث نري فيه أيضاً قمة الخضوع
والسلوك المستقيم وإن كان قد ضعف أيضاً وقال عن رفقة أنها أخته، وكان في
آخر أيامه سيبارك عيسو لأن عيسو كان يصطاد ويحضر له طعاماً لذيذاً أي أن
إسحق كان سيعطي البركة علي أساس بطنه وفمه المعجبين بطعام عيسو.
ثم بعد
ذلك نري المشروع الجديد للبركة، قرر الرب أن يبارك يعقوب، وكان في خطة الله
أن يعقوب يكون له شركة عميقة معه وأن يسكن بالتالي في بيت إيل أي بيت
الله. وأن يأتي من نسله الأسباط الإثني عشر حيث سوف يحل الله بينهم في
الخيمة في وسط شعبه، ومن أحد أولاده أي يهوذا سيأتي المسيح، وكان بالتالي
بيته لابد أن يكون بيت صلاة وتكريس للرب، وكان من خطة الله أيضاً ليعقوب أن
يرث البركة المادية والروحية من إسحق رغم أنه الأصغر وليس البكر. وقد تم
التخطيط لهذا المشروع منذ أن كان يعقوب في بطن أمه، إذ جائت النبوة عنه أنه
رغم أن يعقوب هو الصغير، فالكبير يستعبد لصغير.
هل صادف هذا المشروع صعوبات ومعوقات؟ نعم كان يعوق هذا المشروع الكثير من المعوقات:
·
فقد كان إسحق قد شاخ وضعفت عيناه الروحية والمادية وقرر أن يبارك عيسو رغم
أن الرب كان قد قرر أن يبارك يعقوب ببركة البكر الروحية والمادية
· كانت رفقة أم يعقوب تتسلط علي إبنها يعقوب وتستقطبه ناحيتها لكي يفعل ماتريد
· بعد أن خدع يعقوب أبيه وحصل علي البركة بالكذب، قرر عيسو الشرير أن يتخلص منه بمجرد أن يموت إسحق
· هرب يعقوب وترك أرض الميعاد وسكن بعيداً عن بيت إيل
· لابان خال يعقوب كان رجل مادي وعالمي يريد أن يستعبد ويستغل يعقوب للأبد ليخدمه عنده في أرض مابين النهرين حيث عبادة الأوثان
·
كانت راحيل زوجة يعقوب تحب الأوثان ولما تركوا بيت أبيها ورجعوا لأرض
الموعد أخذت معها أوثان أبيها وصار بيت يعقوب به اوثان وصارت عبادة
التماثيل والأوثان منتشرة بين أفراد بيته
· أولاد يعقوب كانوا سيئين
فلاوي وشمعون مثلاً آلات ظلم سيوفهم، يهوذا باع أخيه، رأوبين صعد علي مضجع
أبيه ودنسه، ودينا خرجت لتنظر بنات الأرض وتكون مثلهم
· حتى الإبن التقي الذي فيهم أخذ من يعقوب ولم يراه لمده إثنين وعشرين سنة وظنه مات
لكن
رغم كل هذه العقبات كان هناك العقبة الكبيرة في طريق "مشروع يعقوب" الخاص
بالرب، هل تعلم يا أخي ويا أختي ماهي هذه العقبة؟ إنها يعقوب. يعقوب نفسه
لم يكن "وش بركة" كان شخصاً سيئاً مخادعاً كذاباً طماعاً.
· خدع أخيه وإشتري البكورية بأكلة عدس
· كانت أمه تتحكم فيه
· خدع أبيه المسن الذي لايقدر أن يري وكذب عليه وضلله
· حاول أن يحصل علي البركة بطرقه الخاصة وإمكاناته البشرية
· حتي مع الرب عندما اراد الرب أن يباركه وأعطاه وعوداً غير مشروطة بالبركة، حاول يعقوب أن يعقد صفقة تجارية "يتشطر" فيها علي الرب
· حاول خداع لابان خاله أكثر من مرة
· حاول أن يستعطف أخيه عيسو بطرق عالمية سياسية
كانت
أكبر عقبة في طريق المشروع، مشروع الرب "مشروع يعقوب" هي يعقوب نفسه، لكن،
وهل يفشل الرب؟ هل ينوي علي مشروعاً ويعلن فشله فيه؟ هل يغير قصده نتيجة
الظروف ونتيجة حالة يعقوب السيئة؟ حاشا. إنه ينجح وينجح وينجح
جعل إسحق
يبارك يعقوب رغماً عنه، ورغماً عن حالة يعقوب الرديئة، أبعد يعقوب عن أمه
لكي تتوقف عن أن تتحكم فيه، جعل يعقوب يفر عند رجل شرير، أدب به يعقوب، ظهر
ليعقوب وسط هربه ورغم عدم إستحقاقه أعلن له أنه سيذهب معه حيث يكون يعقوب
ويرجعه إلي أرض الميعاد حيث بيت إيل، بارك يعقوب رغم ظلم لابان، ورغم
محاولات يعقوب الجسدية للحصول علي البركة، جعل لابان يتغير من جهة يعقوب
حتي يفر يعقوب مرة أخري من وجهه ويرجع لأرض الميعاد، هدد لابان وجعله
لايكلم يعقوب بخير أو بشر، غير قلب عيسو من جهة يعقوب ولم يعد يريد قتله،
صارع يعقوب حتي طلوع الصباح لكي يضعفه ويكسر قوته ويجعله محتاجاً له يستند
عليه ويصلي لأول مرة قائلاً "لن أطلقك مالم تباركني"، إستخدم الظروف السيئة
وأخلاق أولاد يعقوب السيئة لكي يجعله يتخلص من الأوثان التي في بيته،
أفقده راحيل التي يحبها التي عمل لأجلها سبع سنين ليفهم أنه ليس بقوته يصنع
مستقبله، أفقده يوسف لكي يعلمه كيف يرتبط بالرب وحده، أحسن إليه ورده إلي
يوسف ومات بشيبة صالحة.
نجح الرب في مشروعه، حصل يعقوب علي البركة
المادية، والبركة الروحية، وصار يعتمد بالكامل علي الله وسكن في بيت إيل
ومن نسله جاء المخلص، ولما جاء لينزل إلي مصر، توقف في بئر سبع علي حدود
مصر ليسأل الرب أينزل أم لا، وصار الله قائداً لحياته رغم أنه كان في أول
حياته يعيش حسب إرادة نفسه. حتي بعد نزوله لمصر أمر أن يصعدوا رفاته إلي
أرض الموعد. صار بركة وبارك فرعون وبارك أبنائه وصار بسبب إبنه يوسف سبب
بركة لمصر وللعالم كله.
لم تستطع الظروف ولا حالة يعقوب الرديئة أن تفشل
الرب، فالرب ينجح دائماً. فالله هو "الذي إبتدأ فيكم عملاً صالحاً يقدر أن
يكمل إلي يوم يسوع المسيح" فالله "دعانا دعوة مقدسة لابمقتضي أعمالنا بل
بمقتضي القصد والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الازمنة الازلية"
نعم
يا أخي، نعم يا أختي، نحن في قصد الله من قبل الأزمنة الأزلية، والله قصد
لنا البركة وقصد لنا أن نكون مشابهين صورة إبنه، ولن تستطيع قوة في الوجود
ولا حتي رداءة حالتنا أن تمنعه من إتمام قصده فينا. ولكن إن كنا مطاوعين
له، سيكون طريقنا أسهل وإن كنا معاندين سينجح أيضاً في إتمام قصده، ولكن قد
يمر طريق إتمام مشروعه فينا بالألم، وبالكسر، وبالإحتياج غير المسدد،
وبالإضعاف وبتخلي الناس عنا، ولكن في هذه جميعها نسمع قول الرسول "ونحن
نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله" وماهو الخير؟ الخير
هو أن يحقق قصده في حياتنا وقصده هو "أن نكون مشابهين صورة إبنه"
إن
أكثر أسماء الله تكراراً في العهد القديم ليس هو "إله إبراهيم" ولا هو "إله
إسحق" بل "إله يعقوب" وكأن الله يقول لنا إنه "إله يعقوب" إله تحدي
العوائق حتي عائق رداءة يعقوب، إله تنفيذ المشورات الأزلية مهما كانت
حالتنا. إلهي هو إله يعقوب الذي لايفشل رغم رداءة حالتي. دعونا نتوقف عن
النظر لأنفسنا ورداءة حالتنا وصعوبة ظروفنا ونثبت عيوننا علي "إله يعقوب"
فلن نفشل أبداً لأنه هو "إله يعقوب"
سينجح "مشروع يعقوب" لأن مهندس تصميم المشروع هو الرب، ولأن مقاول تنفيذ المشروع هو الرب.
الرب سينجح في حياتنا، لابمقتضي أعمالنا بل بمقتضي "القصد" والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية