هل تعرف من أى شئ يجب ان تهرب ؟ اهرب من الآغراض .. من
الآمال .. من الرغبات .. اهرب من كل أولئك ان كنت تود حقا ان
تصل الى انطلاق الروح .
اسمح لى يااخى أن أدخل قليلا الى قلبك .. واتحدث اليك فى صراحة
.. ان لك امالا عريضة تشغلك كثيرا وتحتل جانبا من قلبك .. بل هى
تحتل خيالك ايضا ... فتجلس فى وحدتك وتحلم بها احلام اليقظة ...
تأوى الى فراشك ... فترى هذه الآمال فى نومك .. لك أهداف انت
أدرى بها ولست متطيعا ان تنكرها .
انك تود أن تكون شيئا هاما .. تود ان يعرفك الناس ويبجلوك ... لك
أمال فى الشهرة والصيت ... ولك امال فى السيطرة والنفوذ ... ولك
رغبات فى المال .. وفى المركز الاجتماعى .. وفى العلم .. وفى
الالقاب .. وفى المستقبل .. وفى المظاهر والسمعة ... ولك رغبات
فى المسكن والمأكل والملبس ولذات الجسد المتنوعة ... انك لاتعيش
فى العالم ... بل العالم يعيش فيك ... ويستولى على قلبك وفكرك
وخيالك ومشيئتك ايضا...
اما روحك التى تعيش حبيسة فى هذا كله فأنها تود الانطلاق من
رغبات جسدك ... الجسد الذى يشتهى ضد الروح ....
انك يااخى الحبيب تشقى بهذه الآمال والآغراض فهى لاتتحقق جميعا
.. لذلك فأنت غير راض .. انك تشتاق وتشقى فى اشتياقك .. ولذلك
فأنك تعد العدة .. وتلتمس الوسائل .. تفكر وتقابل .. وتكتب وتسير
.. وتذهب وتسعى .. وتتعب فى سعيك .. ثم انت تجلس وتنتظر ..
وقد يضيق صدرك وتمل الصبر والترجى .. ويدركك اليأس او القلق
او خوف الفشل فتشقى بأنتظارك .
وقد ينتهى السعى والتعب الى لا شئ وتحرم من رغبتك التى تودها
فتشقى بالحرمان ...
وأخطر من هذا كله فأن امالك وأغراضك قد تجنح بك عن طريق
الصواب فتتعلم بسببها الخداع او اللف والدوران والتملق او الكذب او
ماهو أبشع من هذا ....
وكما قال أحد الحكماء :
" لابد ان ينحدر المرء يوما للنفاق ... ان كان فى نفسه شئ يود ان
يخفيه " ...
انك متعب وانا اعرف انك متعب ... وأشفق عليك فى تعبك ... فالى
متى تعيش فى جحيم الآمال ! والعجيب فى رغباتك الترابية هذه انها
تشقيك , ايضا حتى اذا تحققت .. فرغبتك عندما تتحقق تتلذذ بها
وتقودك اللذه الى طلب المزيد .
وهكذا .. قال السيد المسيح " من يشرب من هذا الماء يعطش " ...
عندما يعطش سيسعى الى الماء مرة اخرى ليشرب وكلما يشرب يزداد
عطشا وكلما يزداد عطشا يزداد اشتياقا الى هذا الماء ...
لذلك يااخى الحبيب ... انى اناقش معك الآمر فى هدوء ... لماذا
تتمسك برغبات معينة فى العالم ؟ .. والعالم يبيد وشهوته معه ...
انك غريب مثلى على الارض ... وستأتى ساعة تترك فيها هذا العالم
... وتترك فيه كل ماأخذته منه ... عريانا خرجت من بطن امك ...
وعريانا تعود الى هناك ...
ستترك رغما عنك كل مافى العالم من عظمة ومال وشهره ... وتتوسد
حفرة كأحقر الناس .. ومهما بلغت فى العالم من سطوة او متعة او
شهرة ... فأن هذا سوف لا يمنع الدود من ان يرعى فى جثتك حتى
يأتى عليها .... وستقف بعد هذا كله امام الله مجردا من مظاهر العالم
المنوعة .. لم تأخذ من الدنيا غير اعمالك خيرا كانت أم شرا ...
فحرام عليك يااخى الحبيب ان تركز اغراضك وامالك فى هذه الارض
... والارض التى تنبت لك شوكا وحسكا .. والارض التى قبلت دماء
هابيل البار .. والارض التى يحفرون فيها أبار مشققة لاتضبط ماء "
ار 2 : 13 " ...
ان الاباء القديسين الذين عاشوا قبلنا على الارض ولم تكن الارض
مستحقة ان يدوسها بأقدامهم ... هؤلاء جميعا لم يصلوا الى ماوصلوا
اليه من قداسة الا بعد ان فرغوا قلوبهم من حب العالم والآشياء التى
فى العالم ... فلم تعد لهم على الارض رغبة او شهوة ولم يحتفظوا
فيها بملك ولم يتمسكوا بشئ فى العالم .. لذلك سهل عليهم ان يتركوه
بل اشتاقوا الى ذلك .
اما انت يااخى فلك رغبات ارضية وحيثما يكون كنزك يكون قلبك
ايضا ... لذلك تعلق قلبك بالتراب ومجد التراب ... فقلت قيمة
الروحيات فى حياتك .. انها التجربة التى حاول بها الشيطان اغراء
رب المجد " اخذه الى جبل عالى جدا واراه جميع ممالك العالم
ومجدها وقال له اعطيك هذه جميعا ان خررت وسجدت لى "
فأن ملكت هذه جميعا ... فماذا تستفيد ان خسرت روحك الحبيسة فى
قفص مذهب من الرغبات وتود ان تنطلق .