v بمجيئه رجلاً دون ولادته من امرأة، يجعل النساء ييأسْنَ من أنفسهن متذكّرات الخطيّة الأولى... وكأنه يخاطب البشريّة، قائلاً: ينبغي أن تعلموا أنه ليس في خليقة الله شرًا، إنّما الشهوة المنحلّة هي التي أفسدت الخليقة. انظروا، لقد وُلدت رجلاً، ووُلدت من امرأة، فأنا لا احتقر خليقتي، بل ازدري بالخطيّة التي لم أجبلها... لنفس السبب نجد النساء هن أول من بشرن بالقيامة للرسل. ففي الفردوس أعلنت المرأة عن الموت لرجلها، وفي الكنيسة أعلنت النساء الخلاص للرجال.
القدّيس أغسطينوس
يُعلّق هلفيديوس في أواخر القرن الرابع على قول الإنجيلي: "قبل أن يجتمعا وُجدت حبلى"، بأنفي هذا دليل ضمني على اجتماعهما بعد ولادة السيد، ناكرًا بتوليّة القدّيسة مريم، وقد سبق لي معالجة هذا الأمر في شيء من التوسّع، لذا أكتفي ببعض عبارات للقدّيس جيروم في الرد عليه: [لو أن انسانًا قال: قبل الغذاء في الميناء أبحرت إلى أفريقيا"، فهل كلماته هذه لا تكون صحيحة إلا إذا أرغم على الغذاء بعد رحيله! وإن قلت أن "بولس الرسول قُيّد في روما قبل أن يذهب إلى أسبانيا"، أو قلت "أدرك الموت هلفيديوس قبل أن يتوب" فهل يلزم أن يحلّ بولس من الأسر ويمضي مباشرة إلى أسبانيا، أو هل ينبغي لهلفيديوس أن يتوب بعد موته؟... فعندما يقول الإنجيلي "قبل أن يجتمعا" يُشير إلى الوقت الذي سبق الزواج مظهرًا أن الأمور قد تحقّقت بسرعة حيث كانت هذه المخطوبة على وشك أن تصير زوجة... وقبل حدوث ذلك وُجدت حُبلى من الروح القدس... لكن لا يتبع هذا أن يجتمع بمريم بعد الولادة.]
5. حلم يوسف
"فيوسف رجلها إذ كان بارًا ولم يشأ أن يشهرها،
أراد تخليتها سرًا" [19].
كانت علامات الحمل قد بدأت تظهر على القدّيسة مريم، الأمر الذي كان كافيًا لإثارة الغضب، بل وتعطيه الشريعة حق تقديمها للكهنة لمعاقبتها بالرجم، لكنّه إذ كان بارًا، وقد لمس في القدّيسة عفّتها وطهارتها ارتبك للغاية. في حنو ولطف لم يفتح الأمر مع أحد حتى مع القدّيسة نفسها، ولا فكّر في طردها وإنما "أراد تخليتها سرًا" أيضًا تطليقها. فنحن نعرف أن الخطبة في الطقس اليهودي تعطي ذات الحقوق والالتزامات الخاصة بالزواج فيما عدا العلاقة الزوجيّة الجسديّة. هذا هو السبب لدعوة الملاك إيّاها "امرأتك" [20]، الأمر الذي سبق لنا دراسته.
يُعلّق القدّيس يعقوب السروجي على هذا التصرّف النبيل من جانب القدّيس يوسف، قائلاً:
[نظر الشيخ إلى بطنها، تلك المخطوبة له، وتعجّب الصِدّيق!
رأى صبيّة خجولة عاقلة، فبقى داهشًا في عقله!
شكلها متواضع، وبطنها مملوءة، فتحيّر ماذا يصنع؟!
منظرها طاهر، ورؤيتها هادئة، والذي في بطنها يتحرّك!
طاهرة بجسدها، وحبلها ظاهر، فتعجّب من عفّتها والمجد الذي لها، وبسبب حبلها كان غاضبًا...
كان البار حزين القلب على حبل العذراء النقيّة، وأراد أن يسألها فاستحى... وفكّر أن يطلّقها سرًا.]
ربّما يتساءل البعض، وهل من ضرورة لتخليتها سرًا؟ يجيب القدّيس جيروم بأن العلامات كانت واضحة، فإن لم يتخلَ عنها يُحسب مذنبًا حسب الشريعة، فإنه ليس فقط من يرتكب الخطيّة يتحمّل وزرها، وإنما من يشاهدها ولا يتخذ موقفًا منها.
"ولكن فيما هو متفكر في هذه الأمور،
إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم، قائلاً:
يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك،
لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس" [20].
إذ رأى الله ارتباك هذا البار مع سلوكه بحكمة ووقار أراد أن يطمئنه، فأظهر له ملاكًا في حلم يكشف له عن سرّ الحبل. إنه لم يقدّم له رؤيا في يقظته، [إذ كان متزايدًا جدًا في الإيمان وليس في حاجة إلى الرؤية ]، كقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم.
يُعلّق القدّيس جيروم على دعوة الملاك للقدّيسة مريم أنها امرأة يوسف، قائلاً: [نحن نعرف أنه من عادة الكتاب المقدّس أن يعطي هذا اللقب للمخطوبات. هذا ما يؤكّده المثل التالي من سفر التثنية: "إذ كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها، فاخرجوهما كليهما إلى باب تلك المدينة ورجموهما حتى يموتا؛ الفتاة من أجل أنها لم تصرخ في المدينة، والرجل من أجل أنه أذل امرأة صاحبه، فتنزع الشرّ من وسطك" (تث 22: 23-24) راجع (تث 20: 7)] كما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [هنا يدعو الخطيبة زوجة، كما تعوّد الكتاب أن يدعو المخطوبين أزواجًا قبل الزواج. وماذا تعني "تأخذ"؟ أي تحفظها في بيتك، لأنه بالنيّة قد اخرجها. احفظ هذه التي اخرجتها، كما قد عُهد بها إليك من قبل الله، وليس من قبل والديها.]
"فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع،
لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم.
وهذا كلّه كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل:
هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعون اسمه عمانوئيل
الذي تفسيره الله معنا" [21-23].
لقد أعطى الملاك ليوسف البار هذه الكرامة أن يمارس الأبوة مع أن السيّد المسيح ليس من زرعه، فأعطاه حق تسُمّيته، وإن كان الاسم ليس من عنديّاته بل بإعلان إلهي. إنه "يسوع" التي تعني في العبريّة "يهوه يخلّص"، وكما يقول الملاك " لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم". يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [شعبه ليس هم اليهود وحدهم، وإنما يشمل كل من يقتربون إليه، ويتقبّلون المعرفة الصادرة عنه.]
أما كلمة "عذراء" ففي العبريّة "آلما Olmah"، هي تخص فتاة عذراء يمكن أن تكون مخطوبة لكن غير متزوجة، وجاءت مطابقة على القدّيسة مريم تمامًا".
6. ميلاد المسيح المبكّر
"لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر،
ودعا اسمه يسوع" [25].
اعتمد هلفيديوس في إنكاره دوام بتوليّة القدّيسة مريم على هذه العبارة، قائلاً بأن كلمة "حتى" تعني أنه عرفها بعد الميلاد، وأن عبارة "ابنها البكر" تُشير إلى وجود أبناء آخرين ليسوا أبكارًا. يجيب القدّيس جيروم بأن كلمة "يعرفها" لا تعني حتمًا المعاشرة الزوجيّة، وإن كان يمكن أن تعني هذا، وكأن القدّيس يوسف لم يعرف القدّيسة مريم فيما نالته من نعم عظيمة حتى ولدت يسوع المسيح. أما كلمة "حتى" فلا تعني أن معرفته لها - بالجانب الجسدي - تحقّق بعد الولادة، وقد أعطى القدّيس جيروم أمثله لذلك. عندما يقول الرسول: "لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه" (1 كو 15: 25)؛ هل سيملك الرب حتى يصير أعداؤه تحت قدميه وعندئذ يتوقّف ملكه؟ أيضًا يقول المرتّل: "أعيننا إليك يا الله حتى يتراءف علينا" (مز 123: 2)، فهل يتطلّع النبي نحو الله حتى ينال الرأفة وعندئذ يحول عينيّه عنه إلى الأرض؟! يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [استخدم هنا كلمة "حتى" لا لكي تشك وتظن أنه عرفها بعد ذلك، إنّما ليخبرك أن العذراء كانت هكذا قبل الميلاد لم يمسها رجل قط. ربّما يقال: لماذا استخدم كلمة "حتى"؟ لأنه اعتاد الكتاب أن يستعمل هذا التعبير دون الإشارة إلى أزمنة محدّدة. فبالنسبة للفَلك قيل إن الغراب لم يرجع حتى جفت الأرض (تك 8: 7) مع أنه لم يرجع قط.]
أما من جهة تعبير: "البكر" فلا يعني أن السيّد المسيح له إخوة أصغر منه من مريم وأنه هو بكرها. فإن كل فاتح رحم يُحسب بكرًا حتى ولو لم يكن بعده إخوة أصغر منه. يقول القدّيس جيروم في ردّه على هلفيديوس: [كل ابن وحيد هو بكر، ولكن ليس كل بكر هو ابن وحيد. فإن تعبير "بكر" لا يُشير إلى شخص له إخوة أصغر منه، وإنما يُشير إلى من يسبقه أخ أكبر منه يقول الرب لهرون: "كل فاتح رحم من كل جسد يقدّمونه إلى الرب: من الناس والبهائم يكون لك. ولكن بكر الإنسان ينبغي لك أن تقبل فداءه. وبكر البهائم النجسة تقبل فداءه" (عد 18: 15). قول الرب هنا يّعرف البكر على كل فاتح رحم.] لو كان يلزم أن يكون له اخوة أصاغر لكان ينبغي ألا يقدّم البكر من الحيوانات الطاهرة للكهنة إلا بعد ولادة أصاغر بعده، وما كانت تدفع فدية الإنسان والحيوان النجس إلا بعد التأكّد من إنجاب اخوة أصاغر.
1 كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم
2 ابراهيم ولد اسحق و اسحق ولد يعقوب و يعقوب ولد يهوذا و اخوته
3 و يهوذا ولد فارص و زارح من ثامار و فارص ولد حصرون و حصرون ولد ارام
4 و ارام ولد عميناداب و عميناداب ولد نحشون و نحشون ولد سلمون
5 و سلمون ولد بوعز من راحاب و بوعز ولد عوبيد من راعوث و عوبيد ولد يسى
6 و يسى ولد داود الملك و داود الملك ولد سليمان من التي لاوريا
7 و سليمان ولد رحبعام و رحبعام ولد ابيا و ابيا ولد اسا
8 و اسا ولد يهوشافاط و يهوشافاط ولد يورام و يورام ولد عزيا
9 و عزيا ولد يوثام و يوثام ولد احاز و احاز ولد حزقيا
10 و حزقيا ولد منسى و منسى ولد امون و امون ولد يوشيا
11 و يوشيا ولد يكنيا و اخوته عند سبي بابل
12 و بعد سبي بابل يكنيا ولد شالتئيل و شالتئيل ولد زربابل
13 و زربابل ولد ابيهود و ابيهود ولد الياقيم و الياقيم ولد عازور
14 و عازور ولد صادوق و صادوق ولد اخيم و اخيم ولد اليود
15 و اليود ولد اليعازر و اليعازر ولد متان و متان ولد يعقوب
16 و يعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح
17 فجميع الاجيال من ابراهيم الى داود اربعة عشر جيلا و من داود الى سبي بابل اربعة عشر جيلا و من سبي بابل الى المسيح اربعة عشر جيلا
18 اما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا لما كانت مريم امه مخطوبة ليوسف قبل ان يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس
19 فيوسف رجلها اذ كان بارا و لم يشا ان يشهرها اراد تخليتها سرا
20 و لكن فيما هو متفكر في هذه الامور اذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلا يا يوسف ابن داود لا تخف ان تاخذ مريم امراتك لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس
21 فستلد ابنا و تدعو اسمه يسوع لانه يخلص شعبه من خطاياهم
22 و هذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل
23 هوذا العذراء تحبل و تلد ابنا و يدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا
24 فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما امره ملاك الرب و اخذ امراته
25 و لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر و دعا اسمه يسوع