ما هي التوبة؟
أخي الخاطئ، هذا هو الاستعداد الواجب اتّباعه قبل أن تتوب
وتذهب إلى الاعتراف. اعرفْ أولاً أن التوبة، بحسب القديس يوحنا الدمشقي،
هي العودة من الشيطان إلى الله، التي تتمّ بالألم والجهاد. وهكذا أنتَ
أيضاً، أيها الحبيب، إذا رغبت بأن تتوب كما يليق، عليك أن ترفض الشيطان
وأعماله وتعود إلى الله وإلى الحياة التي تليق به. عليك أن تنبذ الخطيئة
التي هي ضد الطبيعة، وتعود إلى الفضيلة التي هي بحسب الطبيعة. عليك أن تكره
الشر كثيراً، حتى تقول مع داود: "أَبْغَضْتُ الإثم وَكَرِهْتُهُ" (مزمور
163:118)، وبدلاً عن ذلك، عليك أن تحبّ الخير ووصايا الرب كثيراً حتى تقول
أيضاً مع داود: "أَمَّا شَرِيعَتُكَ فَأَحْبَبْتُهَا." (الآية نفسها)،
وأيضاً: "لأَجْلِ ذلِكَ أَحْبَبْتُ وَصَايَاكَ أَكْثَرَ مِنَ الذَّهَبِ
وَالإِبْرِيزِ." (مزمور 127:118). باختصار، الروح القدس يعلّمك بسيراخ
الحكيم ما هي التوبة الحقيقية في قوله: "تُبْ إلى الرب وأقلِعْ عن الخطايا،
تضرَّع أمام وجهه وأقلِلْ من العثرات. إرجعْ إلى العلي وأعرِضْ عن الظلم
وأبغض القبيحة أشدّ بغض" (ابن سيراخ 25:17-26).
مظاهر التوبة
اعرفْ
ثانياً أن مظاهر التوبة هي ثلاثة: الندم، الاعتراف، والارتياح.
الندم
الندم
هو الأسف والحزن الكامل في القلب، وهما يكونان في الشخص الذي، بسبب
الخطايا التي ارتكبها، خيّب الله وخالف ناموسه الإلهي. هذا الندم يأتي فقط
على الكاملين ومَن هم أبناء الله، لأنّه ينشأ فقط من محبة الله. تماماً
مثلما يتوب الولد فقط لأنه خيّب أباه، وليس لأنه سوف يُحرم من الميراث أو
يُطرَد من المنزل الأبوي. في هذا الخصوص، يقول الذهبي الفم الإلهي: "تأوّه
بعد أن أخطأت، ليس لأنّك سوف تُعاقَب (إذ ليس العقاب شيئاً)، بل لأنك
أثِمتَ إلى سيدك، مَن هو كثير الكرم، وفائق اللطف، ويحبّك كثيراً ويتوق إلى
خلاصك حتى أنّه بذل ابنه من أجلك. لهذا تأوّه".
الألم
الألم
مرتبط بالندم، الذي هو أيضاً حزن وأسى غير كامل في القلب، وهو يأتي ليس
لأن الإنسان خالف الله بخطاياه، بل لأنّ هذا الإنسان قد حُرِم من النعمة
الإلهية، خسر الملكوت وكسب الجحيم. هذا الألم يكون لغير الكاملين، أي
للأجراء والعبيد، لأنّه لا يصدر عن محبة الله، بل عن الخوف ومحبة الذات،
تماماً مثلما يتأسّف الأجير لفقدانه أجرته ويتحسّر العبد خوفاً من تأديبات
سيده. وهكذا أنتَ أيضاً، يا أخي الخاطئ، إذا أردتَ أن تكتسب هذا الندم
والألم في قلبك، وبهما يكون ندمك مرضياً لله، عليك أن تفعل ما يلي.
اعترف
لأبٍ روحي مختبِر
أولاً، فتّش حولك واعرفْ مَن هو الأب الروحي الأكثر
خبرة، لأن باسيليوس الكبير يقول، كما أن الناس لا يظهرون أمراضهم وجراحهم
الجسدية لأي طبيب كان، بل للأطباء أصحاب الخبرة الذين يعرفون كيف يداوونهم،
كذلك أيضاً ينبغي كشف الخطايا، ليس لأي كان، بل لأولئك القادرين على
شفائها: "في الاعتراف بالخطايا ينبغي اتّباع الطريقة نفسها كما في الكشف عن
أمراض الجسد. كما أن الإنسان لا يكشف أمراض الجسد لكل الأطباء أو للمارّين
صدفة، بل لأصحاب الخبرة في علاجهم، كذلك أيضاً ينبغي أن يكون الاعتراف
بالخطايا أمام أولئك القادرين على معالجتها، كما هو مكتوب: "فَيَجِبُ
عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ"
(روما 1:15)، أي أن تحملوها باهتمامكم".
كيف يفحص الإنسان ضميره؟
ثانياً،
تماماً كما تجلس لتَعِدّ مالَك بعد صفقة ما، بالطريقة نفسها امضِ إلى مكان
محدد، أيها الأخ، وقبل اسبوعين أو ثلاثة من ذهابك إلى الأب الروحي الذي
وجدته، خاصةً عند بداية كل من فترات الصوم الأربعة في السنة، اجلسْ في ذلك
المكان الهادئ، احنِ رأسَك، امتحِن ضميرك، هذا ما يسمّيه فيلون اليهودي
(الاسكندري): "فحص الضمير"، وكنْ "لا مدافعاً عن خطاياك بل قاضياً لها"،
بحسب الطوباوي أوغسطين. تأمّل، مثل حزقيّا، في كل حياتك بحزن ومرارة في
النفس: "مُتَمَهِّلاً كُلَّ سِنِيَّ مِن أَجْلِ مَرَارَةِ نَفْسِي."
(إشعياء 15:38). تأمّل أيضًا كم أخطأتَ في الأعمال، والأقوال، والارتباط
بالأفكار، بعد آخر اعتراف لك، عادّاً الأشهر والأسابيع والأيام. تذكّرْ
الأشخاص الذين أخطأتَ معهم والأماكن التي أخطأتَ فيها، وباجتهاد تأمّل في
هذه الأشياء لكي تجد كلاً من خطاياك. هكذا ينصح سيراخ الحكيم قائلاً من
جهة: "قبل القضاء افحص نفسك" (ابن سيراخ 20:18). ومن جهة أخرى، يقول
غريغوريوس اللاهوتي: "امتحنْ نفسك أكثر من قريبك. حساب الأعمال هو أهمّ من
حساب المال. لأن المال يفسد بينما الأعمال تبقى". وتماماً، كما أن الصيادين
لا يكتفون بمجرّد إيجاد وحش في الغابة، بل يسعون بكل الطرق إلى قتله، كذلك
يا أخي، عليك ألاّ تكتفِ بفحص ضميرك وإيجاد خطاياك وحسّب، لأن هذا ينفعك
قليلاً، بل جاهدْ بكل الطرق لقتل خطاياك بالحزن في قلبك، أي بالندم والألم.
ولكي تكتسب الندم، افتكِرْ في كمْ اعتديت على الله بخطاياك. لكي تكتسب
أيضاً الألم، فكِّرْ في كم اعتديت على نفسك بخطاياك.