mary_jesus مساعد مدير
ما هي ديانتك : انا مسيحي
الابراج : الأبراج الصينية : عدد المساهمات : 1817 نقاط : 9032 تاريخ التسجيل : 27/07/2010 العمر : 30 الموقع : قلب بابا يسوع العمل/الترفيه : لتكن مشيئتك يارب
معرÙØ´ بقي
| موضوع: مريم ام يسوع الأحد أغسطس 08, 2010 4:30 pm | |
| نؤمن برب واحد المسيح، إبن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور... مولود غير مخلوق... الذي من أجلنا نحن البشر,,, نزل من السماء، وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء" (قانون الإيمان).
بهذا الإيمان يحق لنا الكلام عن مريم، لا بل تستحق مريم منا التكريم والتطويب وهي التي قالت: "فها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال لأن القدير صنع بي العظائم" (لو 1، 48 – 49).
فمن أراد أن يتكلم عن مريم، يجب، قبل أي شيء، أن يعلن عظائم الرب ومحبته للإنسان، كل إنسان، وحضوره في وسط أبنائه. ومن أراد الكلام عن مريم وتكريمها، يجد ذاته ملزما الكلام عن الآب والإبن والروح القدس.
ليست مريم بمثابة إله نبشر به، إنما هي الثمرة الأنضج والأشهى لتدخّل الله وحضوره في وسط شعبه. فمريم تحمل صفة القداسة إنما لا تحمل صفة الألوهة، هي الإنسانة التي قبلت الرب في حياتها، وهي التي رافقت الرب في مسيرته الخلاصية للإنسان. فالتكلم عن مريم يطيب ويحلُ وينضج متى تكلمنا عنها وهي تتفاعل مع تدبير الله الخلاصي.
ولأن مريم تحتل موقعا مميزا في تدبير الله الخلاصي، بأنها أم ابن الله المتجسد وبكر الخليقة المفتداة، نشأ في الكنيسة ما يسمى "اللاهوت المريمي"، علم كغيره من العلوم، يبحث ليُظهر الحقيقة ويوضح أمامنا صورة مريم، شارحاً ومثبتاً موقعها الذي أراده الله لها. وهذا اللاهوت له مرجعيته التي تعطيه حيويته وقوته وتجدده.
أ- مرجعيات اللاهوت المريمي
1- الكتاب المقدس:
الكنيسة الكاثوليكية تعتمد على الكتاب المقدس كمرجع أساسيّ لتعاليمها، وبالتالي كل تعاليمها هي لشرح وتوضيح ما اوحي في الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد وهي تسعى جاهدة لفهم تدبير الله المُعلن من خلال الكتاب المقدس، وهي حريصة الحرص الشديد على أن تبقى أمينة لشهادة المعلم يسوع لأبيه، وشهادة الرسل ليسوع. فهذا الكتاب المقدس هو قوَّتها وهو مصدر وحيها وعلمها وصلاتها وصلتها بالله. يقول المجمع الفاتيكاني الثاني في دستور عقائدي في الوحي الإلهي الفصل الرابع الفقرة 24: "يرتكز علم اللاهوت المقدس إلى كلام الله المكتوب وإلى التقليد المكتوب ارتكازا ثابتا، ويجد فيه قوة ومتانة وفتوة دائمة إذ يتفحص بنور الإيمان كل الحقيقة التي يتضمنها سر المسيح. فإن الكتب المقدسة تحتوي على كلمة الله ، بل هي حقا كلمة الله لأنها ملهمة. ولهذا يجب أن يكون درس الكتب المقدسة بمثابة روح علم اللاهوت".
لذلك، إذا أردنا التكلم عن مريم، فالكتاب المقدس هو المرجع الأول الذي نعود إليه، ومنه ننطلق لنفهم سر مريم، الذي هو سر أمومتها ومرافقتها لابنها يسوع كلمة الله "في البدء كان الكلمة... والكلمة صار بشراً" (يو 1، 1 – 14)، وهو مضمون البشارة الجديدة وهو منتظر الشعوب.
وهنا سنورد نصوص العهد الجديد التي من خلالها يمكننا النظر إلى مريم والتأمل في صورتها:
مريم في نصوص العهد الجديد
حسب إنجيل القديس متى:
1- مريم في نسب يسوع 1، 1 – 17
2- مريم في خدمة الله 1، 18 – 25
3- الطفل يسوع وأمه 2، 1 – 23
حسب إنجيل القديس مرقس:
1- أقرباء يسوع يبحثون عنه 3، 31 – 35
2- يسوع يعود إلى الناصرة 6، 1 – 6
حسب إنجيل القديس لوقا:
1- دعوت مريم: 1، 26 – 38
مريم في الناصرة 1، 26 – 27
الله ومريم 1، 28 – 29
أم المسيح 1، 30 – 34
خادمة الله 1، 35 – 38
2- لقاء مريم وإليصابات: 1، 39 – 45
مريم وإليصابات 1، 39 – 41
مريم المباركة من الله 1، 42 – 44
مريم المليئة بالإيمان والطوبى 1، 45
3- مريم تُمجّد عظمَة الله: 1، 46 – 55
مريم تمجّد الله 1، 46 – 49
مريم والله القدوس 1، 49 – 53
مريم وإبراهيم 1، 54 – 55
مريم في بيت لحم 2، 1 – 20
مريم مع طفلها في الهيكل 2، 21 – 40
مريم وابنها في عمر الثانية عشرة 2، 41 – 52
مريم والحياة العلنية ليسوع 8، 19 – 21؛ 11، 27 – 28
حسب إنجيل القديس يوحنا:
1- أم يسوع في قانا 2، 1 – 12
2- أم يسوع تحت الصليب 19، 25 – 27
حسب الكتابات الأخرى في العهد الجديد:
1- مريم في الكنيسة الناشئة أعمال 1، 14
2- والدة إبن الله غل 4، 4 – 5
3- مريم، العلامة في السماء رؤ 12، 1 – 16
2- التقليد المقدس:
الكنيسة ليست حديثة العهد إنما ابتدأت مع الرسل ونمت وتطورت وتأملت خلال مسيرتها بسر الله وسر عمله مع الإنسان وحبه له. وخلال هذه المسيرة كان هناك أعلام، كان هناك شهداء، كان هناك أبطال في التضحيات، كان هناك مفكرين، فكل هؤلاء هم شهود لحضور الله مع شعبه، كل هؤلاء هم، بالنسبة للكنيسة، تراث وكنوز تحتوي على عمل روح الرب، وثمار هذا العمل يبقون غذى لكنيسة اليوم، يبقون مرجعية وسند لكنيسة اليوم. ونحن كذلك مدعوون اليوم أن نكون كذلك للأجيال التي ستأتي في ما بعد. لذلك فالمصدر الثاني لكل تعليم كنسي هو ما يعرف "بالتقليد المقدس" والذي يتكلم عنه أيضاً المجمع الفاتيكاني الثاني في دستور عقائدي في الوحي الإلهي، الفصل الثاني، الفقرة 8: "...ولذا فالرسل، وقد سلَّموا ما كانوا قد تسلموه، ينبِّهون المؤمنين إلى التمسك بالتقاليد التي تعلموها سواء بالوعظ أو بالرسائل (2تيم 2/15) وإلى الجهاد في سبيل الإيمان. ... وهكذا فإن الكنيسة بتعليمها وحياتها وطقوسها، تخلِّد وتنقل للأجيال بأسرها كل ما هي عليه وكل ما تؤمن به... هذا التقليد الذي استلمناه من الرسل يتقدّم في الكنيسة بمعونة الروح القدس. فإدراك الأمر والأقوال المنقولة ينمو:
إما بتأمل المؤمنين الذين يرددونه في قلوبهم ودراساتهم (لو 2/19و51)
وإما بتبصرهم الباطني في الأمور الروحية التي يختبرون
وإما بكرازة اولئك الذين تسلَّموا الموهبة الثابتة لتعليم الحقيقة. أي أن الكنيسة تتوق باستمرار، على مر الأجيال، إلى كمال الحقيقة الإلهية، إلى أن تتم فيها أقوال الله".
فهذا التقليد المقدَّس الذي وصل إلى أباء الكنيسة، تسلَّموه وتأملوا فيه وشرحوه، فأعطو مواعظ كثيرة وأفكار عميقة، نذكر منها بأنهم أقاموا المقابلة بين حواء القديمة التي حملت الخطيئة للجنس البشري وحواء الجديدة، مريم، التي حملت الخلاص.
3- الليتورجية:
الشعب المقدّس والممسوح بالروح القدس، نظَّم ذاته ونظم إحتفالاته وأعياده، ووضع مواعيد للقاء، ليس لمجرد اللقاء إنما للصلاة وتمجيد الله وشكره، فبوضع المواعيد والأزمنة نشأ ما يسمى "بالوقت المقدس" و"اليوم المقدس"، وبالتالي نشأت ما تسمى "بالسنة الطقسية"، وهذا ما يسمى بالزمن الليتورجي الذي به تقام الإحتفالات الليتورجية. فهذا الزمن يكون مقدّساً لأنه مخصص للقدوس، ولأن أساس اللقاء وغايته هو الله. فهذا الشعب لكي يحيي هذه الإحتفالات الليتورجية استند إلى المرجعين السابق ذكرهما: فكان الكتاب المقدس والتقليد المقدس مصدر إلهام، فظهر دور الليتورجية بأنها تستند إلى هذين المرجعين لبناء نص ليتورجي يتلاءم وحياة ومفهوم الجماعة المحتفلة. لذلك فبالنسبة لكنيسة اليوم أصبحت كل النصوص الليتورجية التي اعتمدت وتطورت، أصبحت بالنسبة لنا مرجعاً مهماً وأساسياً.
فالليتورجية أصبحت بالنسبة للكنيسة، وبحق، "المكان اللاهوتي"، بحيث أصبحت التعبير الحقيقي والواضح والعلني عن إيمان الشعب وعن العقيدة الكنسية. فالليتورجية هي التي تُظهر بشكل واضح ما هو إيمان الكنيسة. فقيمة الليتورجية هي أنها تحتفل الآن بسر المسيح وكامل تاريخ الخلاص، والعمل الليتورجي هو إيمان الكنيسة المحتفل به. لذلك نجد أن الليتورجية احتفلت وأظهرت بعض خصائص مريم أو بعض الحقائق المريمية قبل أن تكون هذه الحقائق موضوع بحث لاهوتي أو موضوع إعلان عقائدي. مثلا على ذلك: شفاعة مريم السماوية، فقد نظمت صلوات تطلب شفاعة العذراء قبل أي إعلان كنسي رسمي عن ضرورة تكريم وطلب شفاعة مريم. وبالتالي أصبح رواج إحتفال ليتورجي معين بمثابة عمل الروح في وسط شعبه، فمئلا رواج عيد الحبل بلا دنس وانتشاره قبل إعلان عقيدة الحبل بلا دنس اعتبربمثابة برهان على هذه الحقيقة اللاهوتية.
إذا العمل الليتورجي يحتفل بسر المسيح وتاريخ الخلاص، ولأن الكتب المقدسة هي مصدر النصوص الليتورجية، فنجد إن الليتورجية تظهر إشتراك مريم مع إبنها بالعمل الخلاصي، وهذا الإشتراك هو على مستويين:
المستوى الأول هو مستوى عرضي وهو أن مريم هي مخلوق وكائن بشري مُخلَّص
والمستوى التاني وهو مستوى فعلي إذ نجد مريم، وبحسب التدبير الإلهي، الرفيقة الدائمة للمخلّص.
كذلك أيضا الليتورجية تجعل من مريم بالنسبة للكنيسة "المثال المقدَّس"، فالليتورجية بقدرتها على تأوين وعيش الحدث، تضع أمام المؤمنين، مريم بنت الناصرة، مثال للفضائل، مثال حي وديناميكي يشجع الإنسان على الصيرورة كمريم، إذ إن هذه الصيرورة كمريم، كما تبدو للإنسان، هي أسهل من الصيرورة كالإبن يسوع.
ب- موقع اللاهوت المريمي من العلوم اللاهوتية الأخرى
بعد تعرفنا إلى المراجع التي يستند إليها علم اللاهوت، وبالتالي يستمد منها اللاهوت المريمي حضوره ووضوحه، سنأتي الآن على عرض بعض العلوم اللاهوتية التي تجد في مريم صورة لها، بمعنى آخر المجالات اللاهوتية التي تنكشف وتتضح لنا من خلال صورة مريم. فاللاهوت المريمي وصورة مريم هما مركزيان بالنسبة للعلوم اللاهوتية الأخرى، لأن العديد والكثير من الأحداث اللاهوتية والخلاصية تمت بحضور فاعل لمريم، مثل: التجسد، تقدمة يسوع للهيكل، عرس قانا، موت المسيح على الصليب، وحلول الروح القدس يوم العنصرة،...
أولاً: الكريستولوجيا أي لاهوت المسيح:
يسوع هو إبن الله وابن الإنسان، مسيح ومخلص، ولد من مريم. لحم من لحمها: حبلت به، أنجبته إلى النور، أرضعته، ربته مع زوجها يوسف حسب التقليد اليهودي، فالعلاقة بينها وبينه هي علاقة أمومة – وبنوة. لذلك فشخص يسوع ورسالته يُضيئان لنا صورة مريم، كما أن معرفة العقيدة المريمية هي بمثابة مفتاح لفهم سر يسوع والكنيسة. فمن خلال مريم استطاعت الكنيسة أن تتعمق في شرح سر تنازل الله وتجسده وصيرورته "إبن لآدم" و"إبن لداوود" و"من فقراء صهيون".
ثانياً: اللاهوت الخلاصي:
الطوباوية مريم العذراء خُلِصت بطريقة أسمى من باقي البشر وذلك بفضل إبنها. فهي الثمرة الأغلى للخلاص، هي الأيقونة والمثال لخلاص الجنس البشري، فهي الأم التي رافقت المخلّص. فبحسب المجمع الفاتيكيني الثاني، في دستور عقائدي في الكنيسة، الفصل الثامن الفقرة 61: "إن العذراء الطوباوية... غدت على الأرض، ... أما حبيبة للمخلِّص الإلهي، وشريكة سخية في عمله بصفة فريدة أبداً".
ثالثاً: البنوماتولوجي أي لاهوت الروح القدس:
فمريم هي الخليقة الأولى التي صاغها الروح القدس، وهي أول من حمل الروح القدس، فكانت حياتها بحسب الروح القدس حتى أصبحت أيقونة له.
رابعاً: الإكليزيولوجيا أي لاهوت الكنيسة:
مريم كانت حاضرة في كل الأحداث التأسيسية للكنيسة، فهناك تفكير لاهوتي يقول بأن الحبل بيسوع وميلاد يسوع في الرحم العذري لمريم لا يطال فقط الرأس إنما أيضاً الجسم السري، فالقديس لاون الكبير، Leone Magno ، من القرن الخامس أي حوالي 461 يقول: "ولادة يسوع هي بداية الشعب المسيحي، وميلاد الرأس هو ميلاد الجسد". فمع تجسد يسوع وولادته ولدت الكنيسة. كذلك أيضاً نجد مريم حاضرة أيضاً في عرس قانا بين يسوع والتلاميذ، فهي الشفيعة، هي التي ترى هموم الإنسان وتحملها إلى ابنها. وفي العلية أيضا يوم العنصرة مريم حاضرة في وسط التلاميذ، الذين بعد هذا الحدث انطلقوا بالرسالة الموكلة إليهم، فكانت مريم بمثابة الأم التي ولدتهم لأنها هي الممتلئة من الروح القدس منذ تكوينها، وكانت إلى جنبهم متل ما كانت قرب يسوع يوم اجترح العجيبة الأولى وبدأ رسالته العلنية في عرس قانا.
خامساً: علم الأنتروبولوجيا:
فالمشروع الإلهي للكائن البشري الذي وصل إلى تمامه وكماله بشخص يسوع المسيح البشري، الإنسان الجديد، يجد تحقيقه أيضا في شخص مريم، المرأة الجديدة، هي الممتلئة نعمة والتي تصورت في شخصها صورة المسيح، هي المختارة منذ البدء، وهي المبررة وهي الممجدة بيسوع، يعبر عن هذا القديس بولس عندما يقول في رسالته إلى أهل روما 8/29 - 30: "ذلك بأنه عرفهم بسابق علمه وسبق أن قضى بأن يكونوا على مثال صورة ابنه ليكون هكذا بكراً لإخوة كثيرين. فالذين سبق أن قضى لهم بذلك دعاهم أيضاً، والذين دعاهم بررهم أيضاً، والذين بررهم مجَّدهم أيضاً". فمريم هي الخليقة التي بها تناغمت الحرية مع الطاعة لله، وإلهامات النفس مع قيم الجسد، والنعمة الإلهية مع الإهتمام البشري.
سادساً: اللاهوت الإسكاتولوجي أي الزمن النهيوي:
الليتورجية تتغنّى وتغنّي مريم كرجاء المؤمنين. وبحسب المجمع الفاتيكاني الثاني، الكنيسة تتأمل بفرح، من خلال مريم، ما تشتهي وتأمل أن تصير إليه، فالعذراء هي المستقبل المسيحي الذي اكتمل. فبمريم الممجدة تم الإنتصار على الخوف من المستقبل، وكشف الموت واجتيزت ظلمته، وانعكس نور المسيح القائم، وفيها يجد الإنسان مصيره وحقيقة رجائه.
إذا مريم ليست غائبة عن مشروع الله الخلاصي للإنسان، بل هي الحاضرة دائماً والمرافقة. لذلك كل إنسان يضع مريم على الهامش ولا يلحظ لها أي حضور، متزرعا بأن يسوع هو وحده المخلص وهو وحده الذي يمكن أن يحكى عنه وهو وحده الذي يخبر عنه الكتاب المقدس، يقوم، بطريقة مباشرة، متعمدة أو غير متعمدة، بضرب سر تجسد الله واتخاذه جسدا بشرياً، ويقوم أيضا بإخفاء وطمس ونكران ما حققه الله في شعبه وبصورة تامة وكاملة في شخص أمه مريم.
البابا يوحنا بولس التاني، يُلفت في إحدى مداخلاته للأكادميين في روما إلى أن الطوباوية مريم العذراء، هي الشخصية الأكثر ذكراً بعد الرسول بطرس ويوحنا السابق المعمدان، والأهم من عدد مرات الذكر هو المواضيع الواردة فيها مريم: فهي حاضرة في البشارة (لو 1،26 – 38)، لا بل هي أول من قبل بشارة الله بخلاص الإنسان، وهي أول من قبل يسوع المسيح، ليس فقط في الإيمان إنما أيضاً في أحشائها، فأصبحت بذلك أورشليم مدينة الله، لا بل أصبحت هيكل سكنى الله، وأكثر من ذلك أصبحت تابوت العهد لأنها تحتوي ليس فقط وصايا الله وعلامة حضور الله، إنما الحضور الفعلي والمتجسد، والآخذ جسد من جسدها. كذلك مريم هي التي قامت بالزيارة لإليصابات (لو 1، 39 – 56)، فكان ذاك اللقاء بين الأمين والطفلين. مريم حاضرة أيضاً في عرس قانا الجليل (يو2، 1 – 12)، حاضرة أيضاً تحت الصليب مع التلميذ الحبيب حيث أوكل لها وأوكلت إليه (يو19، 25 – 27)، وكل هذه المشاهد واللوحات هي ذات عمق لاهوتي أساسي في الإنجيل.
ج- علاقة مريم والثالوث الأقدس
تجسد المسيح وكل التدبير الخلاصي، ليس عملا فردياً، إنما هو عمل ثالوثي، اشترك فيه الأب والإبن والروح القدس. لذلك دخول مريم في هذا المشروع، يُدخلها بعلاقة مع الثالوث لذلك، من المهم أن نتأمل بعلاقة مريم مع الثالوث الأقدس.
سر تجسد الإبن وفداءه للجنس البشري هو مخطط الأب الذي راى الإنسان يُخطئ ضد ذاته وضد الكون وضد الخالق. فالمشروع كله هو مشروع الأب، أما المنفذ والضحية والمخلّص هو الإبن يسوع المسيح. فيسوع هو إبن الله، إنما أيضا هو ابن مريم بحسب مشيئة الآب. فإذا كان المخلّص إبن لله فوالدته ما هي ومن هي بالنسبة للآب؟
1- مريم والآب:
فالله الآب هو الذي اختار مريم لرسالة خاصة ألا وهي أن تكون أم الفادي المنتظر كما يقول عنها البابا بيوس التاسع في إعلانه عقيدة الحبل بلا دنس. أما المجمع الفاتيكاني الثاني في دستور عقائدي في الكنيسة الفصل الثامن المخصص للطوباوية مريم العذراء في الفقرة 53 منه، يقول بأن مريم "اغتنت بهذه المهمة الفائقة، وهذا الشرف بأن تكون أم ابن الله، وبالتالي إبنة الأب المفضَّلة، وهيكل الروح القدس".
فمريم تمّثل إبنة صهيون، أي أنها تجسد بشخصها الشعب المختار الذي أقام معه الرب العهد، لذلك فمريم هي الخادمة الأمينة للعهد بين الله والإنسان، هي التي تعتني وتهتم في إتمام إرادة الله، لا بل هي العروس المحبوبة منه حبّاً لا يعرف الغش. فالله العظيم في مجده ينحني عن عرشه لينظر إلى أمته أو خادمته الوضيعة (مز113، 5 – 6). فالله الأب بأبوته الأبدية، ومريم بأمومتها المعطات لها بالنعمة، هما الإثنين الوحيدين الذين يستطيعان أن يناديا يسوع: "أنت ابني الحبيب" (لو3، 22؛ و2، 49). فبأمانة مريم لله ومبادلته إياه الحب بالحب استحقت أن تنادي ابنه الموجود قبل أي وجود، استحقت أن تناديه "إبني الحبيب".
2- مريم والإبن:
إذا بين مريم ويسوع علاقة أمومة – وبنوَّة، فبينما مريم تتعرَّف على ابنها وتحمله بين زراعيها وتتأمله على أنه الله والسيد والمخلص، يبادلها ابنها الحب كأم ويمجدها معه ويشكرها لأنها أعطته الحياة الزمنية. فمريم هي الرفيقة للمخلص وبالتالي هي رسولة أمينة لكل ما تسمعه، وكانت تتأمله في قلبها (لو2، 19 و 51).
فبالعلاقة التي تربط الكلمة المتجسدة ومريم أصبح البعد اللامتناهي بين الخالق والخليقة أصبح قرباً وتعايشاً، أصبحت الكلمة الإلهية ومريم، أصبحا الفضاء المقدس لعرس الطبيعتين الإلهية والبشرية، أصبحا مكان تجلّي الثالوث، وبذلك حققت مريم كمال إنتظار إسرائيل وبدأت مسيرة الكنسية وأعادت حوار العهد بين الله والإنسان.
3- مريم والروح القدس:
كنا تكلمنا قبل قليل عن مريم والبنوماتولوجي أي مريم والروح القدس، وقلنا بأن مريم هي أيقونة الروح القدس، فلا يمكن الكلام عن الكلية القداسة والممتلئة نعمة دون أن نتعرَّف على الروح القدس وهو النعمة التي ملأت مريم، وعلى بعض عناصر العلاقة بينهما.
أولا: الروح القدس هو روح القداسة:
فلحظة بداية وجود مريم، أي لحظة الحبل بها، وجدت مريم بريئة من دنس الخطيئة الأصلية. فكانت لحظة بداية وجودها لحظة تاريخية – خلاصية، في هذه اللحظة نزل الروح القدس، ليقطع نهر الخطيئة الذي يَسِمُ كل إنسان آت إلى الوجود، فهذا الروح هو عينه الذي اندفق من قلب يسوع عند طعنه بالحربة وهو على الصليب بشكل دم وماء (يو 19، 34) فحرَّر الإنسان من الخطيئة وأعطاه القدرة بدمه على قهر الشرير، الحية القديمة. هذا الروح هو الذي ملأ مريم بفائض نعمته، ليجعل من قلبها قلباً مثالاً، وقلباً جديدا، كان ينتظره شعب الله وقد تكلم عنه الأنبياء (إرميا 31، 31؛ 32، 40؛ وحزقيال 11، 19؛ 36، 25 – 26) حيث يقول (حز 11، 19) "وأعطيهم قلباً آخر، وأجعل فيهم روحاً جديداً، وأنزع من لحمهم قلب الحجر وأُعطيهم قلباً من لحم". فمنذ لحظة وجود مريم بدون خطيئة، جعلها الروح القدس خليقة جديدة وجعلها مسكناً له، وبالتالي فهي ليست بحاجة إلى أية عماد في ما بعد.
ثانياً: الروح الذي يعطي الحياة:
في قانون الإيمان نعلن ونعترف "برب واحد يسوع المسيح إبن الله الوحيد...، تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء"،وفي الإنجيل هناك عدة مقاطع تظهر تجسد الكلمة بفعل الروح، سنختار مقطعين: الأول من إنجيل متى (1،20 - 21): "يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأتي بامرأتك مريم إلى بيتك، فإن الذي كوِّن فيها هو من الروح القدس، وستلد ابنا فسمه يسوع". وكذلك أيضاً في (لو1، 35) "فأجابها الملاك: "إن الروح القدس سينزل عليك وقدرة العلي تظلِّلك، لذلك يكون المولود منك قدوساً وابن الله يدعى"" ، فصدى هذا المشهد نجده بسفر الخروج (40، 34 - 35): "ثم غطى الغمام خيمة الموعد وملأ مجد الرب المسكن"، فمريم هي خيمة العهد التي لفها الروح، وهي إبنة الناصرة التي حبلت بخالق الحياة.
ثالثاً: الروح القدس هو روح النبوة:
زيارة مريم لبيت زكريا الكاهن هي زيارة ذات طابع خلاصي، فهي العنصرة السابقة، أو العنصرة الأولى. فمريم سبق أن امتلأت من الروح القدس، وبلقائها مع أليصابات، كان اللقاء بين هيكلين للحياة، وبين أمومتين بالنعمة، إنما بذلك اللقاء "أليصابات امتلأت من الروح القدس" (لو1، 41). وبتأثير الروح القدس فهمت أن الطفل الذي تحمله قريبتها مريم هو الله، لذلك هتفت "مباركة أنت في النساء ومباركة ثمرة بطنك من أين لي أن تأتي إلي أم ربي" (لو1، 42 – 43)، فأجابت مريم بالنشيد العظيم "تعظم نفسي الرب..."، الذي فيه تكتمل أناشيد سيدات متعددات من العهد القديم كمِريم أخت هارون (خر15، 20-21) وجوديت (جوديت 16، 1-17) وحنة (1صموئيل 2، 1-10)، والآن الكنيسة تردد باستمرار نشيد مريم، نشيد شكر وتعظيم.
رابعاً: الروح هو الحب المبدِّل والمحوِّل:
ففي عرس قانا هو الروح القدس الذي دفع مريم إلى أن تطلب إلى ابنها أن يحول الماء إلى خمر، وفي هذه المعجزة بدأ يسوع حياته العلنية بحسب إنجيل يوحنا، لذلك يمكننا يوم عيد الميلاد أن نقرأ إنجيل عرس قانا الجليل، لأن بالنسبة للإنجيلي يوحنا ميلاد يسوع على الأرض هو يوم بدايته عمله، وفي هذا المشهد نرى أن مريم هي التي تدفع إبنها وتلده بقوة الروح القدس إلى الحياة العلنية. فالماء الذي كان يستعمل للتطهير في العهد القديم تحول مع يسوع إلى خمر، فأصبح الخمر هو الذي يطهر، والماء والخمر في عرس قانا، هما عينهما الذين جريا من جنب المسيح على الصليب دمٌ وماء، فهذا هو الروح القدس النابع من قلب الرب، هذا هو الحب الذي محى خطايانا وأعادنا إلى حياة النعمة.
خامساً: الروح القدس هو روح العهد:
في عرس قانا لم تكن ساعة يسوع قد حانت بعد ، إنما ساعة يسوع حانت على الصليب، ساعة الألم والمجد "أتت الساعة التي فيها يُمجد ابن الإنسان" (يو12، 23)، هي أيضاً ساعة الروح "حنى رأسه وأسلم الروح" (يو19، 30)، ساعة الدم المهراق من أجل العهد الأبدي. فمريم كانت حاضرة في "عرس الدم" لابنها، كما كانت حاضرة في عرس قانا. وهنا التقليد الكنسي ينسب إلى الروح القدس عطية القوة التي كانت تشدد مريم في ألمها وهي أمام صليب ابنها.
قرب الصليب، مريم، المرأة الجديدة، أصبحت "أم الأحياء" الحقيقية، نقرأ في سفر التكوين 1، 20: "وسمى الإنسان امرأته حواء لأنها أم كلِّ حي". أمام الصليب كانت ساعة الولادة وساعة أمومة مريم الروحية، في (يو16، 20-21) يقول يسوع: "الحق الحق أقول لكم: ستبكون وتنتحبون، وأما العالم فيفرح. ستحزنون، ولكن حزنكم سينقلب فرحاً. إن المرأة تحزن عندما تلد لأن ساعتها حانت، فإذا وضعت الطفل لا تذكر شدَّتها بعد ذلك لفرحها بأن قد ولد إنسان في العالم". وبالتالي فالنَعم اللي قالتها مريم في الناصرة يوم بشرها الملاك تمتد حتى الجلجلة، حيث قبلت من ابنها رسالتها الجديدة ألا وهي أن تكون أما للرسل. يعبر عن ذلك البابا بولس السادس سنة 1975 عندما يقول: "هو أيضاً الروح القدس، الذي بمحبة فائقة، يشرح ويوسع قلب الأم المتألمة، لكي تتقبل من شفاه ابنها، شهادته الأخيرة، أي رسالتها الأمومية نحو ابنها المختار يوحنا "التلميذ الحبيب" (يو 19، 26)، لتكون بذلك بداية لأمومتها الروحية للبشرية جمعاء".
إذاً بين الثالوث الأقدس والعذراء مريم علاقة كبيرة أساسها المشروع الإلهي أي تجسد الكلمة، وهذا ما يخلق رابطاً عميقاً بين الخالق، الله الثالوث، وبين مريم المخلوقة المتواضعة إبنة الناصرة. وهذا هو السر الذي يدهش عقل اللاهوتي ونفس المتأمل، لأن الهاوية العميقة التي وجدت بين الله والإنسان، رُدمت وفقدت دورها بتجسد الكلمة، الذي اتخذ "صورة العبد" (فيليبي 2، 7) فأصبح مشابها لوالدته بطبيعته البشرية.
إن الفكر المسيحي والتقليد الكنسي حاولا أن يلخصا علاقة الثالوث ومريم ببعض العبارات، فكان من بينها عبارة "أيقونة الثالوث" ليعبر بذلك عما لا يمكن التعبير عنه. فالمقصود بهذه العبارة القول بأن علاقة الشراكة والحب الموجودة بين أشخاص الثالوث، تنعكس في قلب مريم الطاهر. وهناك أيضاً عبارات وصور أخرى، غايتها إظهار سكنى الثالوث في مريم، وكلها عبارات تأتي من العلامات المقدسة التي هي على علاقة بالعهد القديم بين الله والإنسان.
فهناك بعض العبارات أو بعض الصور التي يمكن لنا أن نطلقها على مريم، منها: هيكل، بيت القربان أي Tabernacle ، تابوت كتابوت العهد، سفينة كسفينة نوح، مدينة كمدينة أورشليم، بلاط الثالوث كبلاط الملك، عرش وهذا ما نجده في أيقونات كثيرة حيث مريم تشكل العرش ليجلس ابنها، غرفة العرس أي عرس الألوهة والإنسانية... فغاية هذه التسميات أن تظهر بأن مريم هي صنيعة الثالوث الممتازة، هي الجوهرة الثمينة وهي الوردة الجميلة.[/size] منقول | |
|