- الانطلاق من الحكمة البشرية أيضاً
والآن، ماذا أقول؟هل أقول أن تنطلق الروح من نطاق الحكمة البشرية أيضاً؟ يخيل إليَّ أنني أود أن أقول هذا {ألم يجهل الله حكمة العالم} {لأن الرب يعلم أفكار الحكماء باطلة {لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله} لأنه مكتوب {الآخذ الحكماء بمكرهم} {1كو1: 20، 3: 20، 19}.
علي الرغم من أن العقل البشري – منذ وجوده – قاصر ومحدود، إلا أنه كان في حالة أفضل يوم خلق الله العالم ونظر إلي كل ما عمله فإذا هو حسن جدا.. ولكن الخطية والعالم وما ورثناه عن القدامى من أفكار وأبحاث وخبرات وعادات وتقاليد ونظم وشكليات. كل ذلك أرسب علي العقل البشرى رواسب كثيرة حتى أصبح – زيادة على قصوره – معرضا للخطأ في كثير من أحكامه. وهكذا لا يستطيع وحده أن يفهم الله أو يفحصه، والذين يظنون أنهم حكماء وعقلاء ويعتمدون على حكمتهم وعقلهم هم أبعد الأشخاص عن الروحيات والإلهيات. وهكذا قال معلمنا بولس الرسول: {وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل من الله.. لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدوس قارنين الروحيات بالروحيات} {1كو2: 4، 12، 13}.
أرأيت يا أخي الحبيب بطلان الحكمة البشرية.. فهل يلغى الله الحكمة علي وجه العموم، كلا. بل يؤيدها. وهكذا يقول معلمنا بولس في نفس رسالته: {لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين، ولكن بحكمة ليست من هذا الدهر ولا من عظماء الدهر الذين يبطلون، بل نتكلم بحكمة الله في سر}.
لذلك إذا أردت لروحك أن تفهم مقاصد الله، فأطلقها أولا من حكمتك البشرية، وقف أمام الله جاهلاً فارغا من كل علم وفهم، حينئذ ستمتلئ بالمعرفة الروحية الكاملة، وليست المعرفة البشرية القاصرة {لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله.
أليس هذا ما يعنيه معلمنا بولس الرسول إذ يقول: {إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلا لكى يصير حكيماً} {1كو18:3}.
تقدم إلي السيد المسيح رجل ذو يد يابسة بطلب الشفاء فأمره السيد أن يمد يده فمدها فصارت سليمة {مت12: 10، 13}. وتؤخذ هذه الحادثة دليلا على قدرة السيد وهذا صحيح، ولكن لها وجهاً آخر وهو تحطيم نطاق الحكمة البشرية. لو كان هذا الرجل متمسكاً بالحكمة البشرية لجادل السيد في الأمر: {كيف أمد يدا يابسة؟ هل اليد اليابسة تمتد. ولو كانت تمتد فما حاجتي إلي الشفاء؟ اشفني أولا ثم أمدها} أما هذا الرجل فصار جاهلاً لكى يصير حكيما. فتجاهل الحكمة البشرية التي لا تؤمن بامتداد اليد اليابسة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). والتي لا تؤمن لا بانتقال الجبل من موضعه، ولا يمشي الرجل على الماء، ولا بعد التفكير في الغد..
إنها الحكمة البشرية التي جعلت الناس يضعون الله تحت المجهر هو وصفاته وتعاليمه!. وهى {الحكمة} التي جعلت البعض يقبلون من الإنجيل ومن قوانين الكنيسة ما يرونه بأفكارهم صحيحاً، ويرفضون ما لا يتفق ومنطقهم العقلي..
أما أولاد الله فيتناولون كل شيء ببساطة وبغير تعقيد تريدنا يا رب أن نمشي في البحر الأحمر؟ سنمشى إذن لأنك لابد تشق لنا فيه طريقا فلا نغرق.
هناك أسطورة تقول ان البحر الأحمر لم ينشق عندما ضربه موسى بعصاه، وإنما انشق حالما رفع أول رجل قدمه ليضعها في الماء: إنها مجرد أسطورة ولكنها تحمل في طياتها معنى ساميا من معاني الروح.