[b][center][center][center][color=blue] القديسه أفنيكي وابنها تيموثاوس
لا يكاد المرء يذكر أفنيكي حتى يتذكر قصة تلك الغابة الواسعة في قلب أوروبا، والتي كان يقصدها الكثيرون من الزائرين والرحالة والمولعين بصيد الوحوش والحيوانات، وكان في الأحراش فيها منزل أنيق جميل، هو أشبه الكل بفندق أو استراحة، لمن يصل إلى المكان وينشد راحته.... وقد حدث أن جماعة وصلت إلى هناك، وكان معها أنواع مختلفة من الشراب، وبينما هم يلعبون ويشربون، كسرت زجاجة، وتدفق من الشراب ما تدفق على جدار في القاعة، فأفسدها وشوه منظرها على نحو مثير مفجع، ولم يستطع أحد إصلاح المنظر حتى جاء أحد الرسامين، وغطى البقعة الفاسدة بصورة غزال يرتاد بحيرة ويشرب من الماء.. وقد قيل إن الكثيرين كان يقصدون المكان ليروا المنظر الساحر العظيم، وهكذا حول الرسام الماهر نقطة الضعف واللوثة والقبح، إلى ما لم يكن يتخيل أحد من جمال وسحر وجلال! ومن العجيب أن الرسام الأعظم يفعل نفس الشيء في حياة المؤمنين، عندما يغطي الضعف ويستر العورة والعيب، ويصنع من أقبح ما ترى العين، أروع ما يمكن أن تقع عليه الرؤية وتستريح إليه!! وقد حدث هذا بالتمام في قصة أفنيكي، التي يعد زواجها من رجلها من أقسى ما بليت به، أو سقطت فيه، غير أننا نعلم أن هذا الزواج قد أنجب تيموثاوس الابن الصريح في الإيمان، والذي غطى الصورة البائسة المحزنة في الشركة المنكودة بين الأبوين!! ألا يكون من الطيب بعد هذا أن نتأمل قصة هذه الزوجة والأم، لنرى كيف دثرت زواجها الفاشل بحياتها المنتصرة وابنها العظيم، ومن ثم يمكن أن نراها فيما يلي:
أفنيكي ومن هي؟
الكلمة «أفنيكي» معناها المنتصرة السعيدة، وهي كما تظهر امرأة يهودية الأصل، عاشت على الأغلب، في لسترة في آسيا الصغرى، ونحن لا نكاد نعلم شيئًا عن حياتها الأولى، سوى أنها كانت تعيش مع أمها لوئيس تعني «صالحة» أو «مرغوبة» ومن المتصور أن أفنيكي كانت على حد كبير من الجمال، اجتذب إليها زوجها اليوناني الذي أخذ بسحر جمالها، واستطاع أن يفوز بها زوجة حلوة جميلة فاتنة، كما يذهب بعض الكتاب، على أنها كانت أكثر من ذلك دمثة الأخلاق، رضية الحياة، رقيقة المشاعر، ومن المرجح أن بولس كان يأوى إلي بيتها كلما ذهب إلى المدينة في غدواته وروحاته، كما أن تيموثاوس ابنها قد ورث عنها الرقة البالغة، التي يذكرها بولس في لغة الدموع عندما افترق الواحد منهما عن الآخر في قوله: «مشتاقًا أن أراك ذاكرًا دموعك» كما أنها كانت يهودية مؤمنة، من ذلك الطراز الذي يلهج نهاراً وليلاً بالكتب المقدسة، ويرتوي منها، هي أشبه الكل بالشجرة المغروسة عند مجاري المياه التي تعطي ثمرها في أوانه، وورقها لا يذبل، ومن المعتقد أنها آمنت بالمسيحية في رحلة بولس الرسول الأولى، واشتهرت هي وأمها وابنها بالإيمان الصريح العديم الرياء، غير المتقلقل والثابت والمستقر، وهي لهذا كانت مظهرًا من أروع المظاهر المسيحية الصحيحة في الأصل للكلمة «العديم الرياء» - فهي في الظاهر كما في الداخل، وفي السيرة كما في السريرة، وفي العقيدة كما في الأفعال، لا تناقض أو إبهام أو اضطراب أو ازدواج عندها على الإطلاق... ومن أننا لا نستطيع أن نحدد مدى الآثار البعيدة والعميقة لحياة الصراحة التي عاشتها هذه المرأة، سلبا أو ايجاباً على سواء، إلا أنه يبدو أن صراحتها جلبت عليها من الناحية السلبية، واحدا من أقسى ما واجهت في الحياة من متاعب وآلام، إن الصريح يتصور في العادة لما جبل عليه من الوضوح والصراحة، إن غيره من الناس يمكن أن يكون هكذا أيضًا، فإذا ظهر، أو تظاهر إنسان بالصراحة، ما أسرع أن يصدقه ويثق فيه، ولا يرتاب فيه البتة، وقد يكون هذا هو السبب في زواج أفنيكي التعس بزوجها اليوناني، ومع أننا لا نعرف تفاصيل هذا الزواج، وكيف تم، إلا أننا يمكن أن نضع الصورة التي تصورها الكسندر هوايت عندما قال ما ملخصه: «كيف حدث أن هذه المرأة لوئيس التي تخاف الله والقوية الإيمان العديم الرياء، كيف حدث أن تسقط سقطتها البالغة، فتعطي ابنتها الوحيدة لرجل وثني يتزوجها، كيف أمكن للمرأة الطيبة،. وكيف أمكن لابنتها أن ترتكبا هذه الغلطة القاسية الشنيعة بالتزوج من رجل وثني!! دعنا نتصور ونخمن لقد بدأ هذا الرجل المحب لابنتها يأخذ سبيله إلى المجمع اليهودي، حتى أوشك أن يتهود، تحت تيار عاطفة المحبة التي ملكت عليه قلبه، وكان من الممكن، لولا بعض الموثرات الوثنية القوية، أن يكون كما كانت تحلم الأم أو الفتاة وتصلي أن يصبح مؤمناً خالصًا لله، ولعله كان يؤكد للوئيس أنه بمجرد أن تصبح أفنيكي زوجته، فإنه لن يخيب قط الثقة أو الرجاء فيه.. ولا نتصور أن المحب اليوناني كان يخدع أو يغش فيما يقول، بل لعله كان يعني كل كلمة يفوه بها، وكان يعتقد أنه وزوجته سيكونان أسعد زوجين وأوفاهما وأصدقهما في الحياة الزوحية، وقد صدقته لوئيس، وصدقته أفنيكي، وكما يفعل الكثيرون ممن نصدقهم ونثق بهم، دون أن ننتبه، إلى الخداع النفسي الذي يأتي إلى قلوب العشاق من الشباب، وما أكثر ما رأينا الآلاف منهم، وهم يؤكدون، بصدق وحماس وغيرة نبل مشاعرهم، وعمق عواطفهم، وحسن نواياهم، وهم في كثير من الأحايين كذلك، حتى يتم الزواج، ولكن هل يتحقق ما ذكروه أو تحدثوا به، أو وعدوه، أغلب الظن أن هذا لن يتحقق، وترى الفتاة المؤمنة نفسها، في رباط مع قلب وثني، لا يرتد فقط عن الوعود الكثيرة التي أجزلها، بل لعله يعود إلى أسوأ وأردأ، ومع أننا لا نستطيع أن نقطع عندما نذكر كلمات الرسول بطرس: كذلكن أيتها النساء كن خاضعات لرجالكن حتى وإن كان البعض لا يطعيون الكلمة يربحون بسيرة الناس بدون كلمة ملاحظين سيرتكن الطاهرة بخوف الله...» لماذا لم تؤثر حياة أفنيكي في زوجها، وعاش، ومات وثنياً، وهل يلام هو أم تلام لوئيس أم تلام أفنيكي نفسها أم يشترك الثلاثة في هذا اللوم؟ أيا كان الأمر فمن الواضح، أن المرأة كانت تعسة في هذا الجانب من الحياة، وأن غلالة من الألم والشقاء أرسلت ظلالها الداكنة الحزينة على البيت، ومع أن البعض يعتقد أن الرجل كان قد مات، وأنها كانت أرملة يوم عرفت المسيحية وآمنت بها، وأن هذا قد أعطاها فرصة أوفى وأوسع في تعليم ابنها والتأثير في حياته، إلا أن صمت الكتاب على أي حال عن الرجل سوى أنه يوناني، لا يمكن تفسيره إلا أنه النقطة السوداء في كتاب ناصع، أو البقعة المشوهة لجمال عظيم!!.